قوله تعالى : { وجعلناه } يعني : الكتاب وهو التوراة ، وقال قتادة : موسى ، { هدى لبني إسرائيل*وجعلنا منهم } يعني : من بني إسرائيل ، { أئمةً } قادة في الخير يقتدى بهم ، يعني : الأنبياء الذين كانوا فيهم . وقال قتادة : أتباع الأنبياء ، { يهدون } يدعون ، { بأمرنا لما صبروا } قرأ حمزة ، والكسائي ، بكسر اللام وتخفيف الميم ، أي : لصبرهم ، وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد الميم ، أي : حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمصر . { وكانوا بآياتنا يوقنون* }
فإن اللقاء على الحق الثابت ، والعقيدة الواحدة ، هو الذي يستحق الذكر ، والذي ينسلك في سياق التثبيت على ما يلقاه النبي [ صلى الله عليه وسلم ] من التكذيب والإعراض ، ويلقاه المسلمون من الشدة واللأواء . وكذلك هو الذي يتسق مع ما جاء بعده في الآية : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) . . للإيحاء للقلة المسلمة يومذاك في مكة أن تصبر كما صبر المختارون من بني إسرائيل ، وتوقن كما أيقنوا ، ليكون منهم أئمة للمسلمين كما كان أولئك أئمة لبني إسرائيل . ولتقرير طريق الإمامة والقيادة ، وهو الصبر واليقين .
وقوله : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } ، أي : لما كانوا صابرين على أوامر الله وترك نواهيه وزواجره وتصديق رسله واتباعهم فيما جاؤوهم به ، كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله ، ويدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر . ثم لما بدلوا وحَرَّفوا وأوَّلوا ، سلبوا ذلك المقام ، وصارت قلوبهم قاسية ، يحرفون الكلم عن مواضعه ، فلا عمل صالحًا ، ولا اعتقاد صحيحًا ؛{[23155]} ولهذا قال : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا } {[23156]} قال قتادة وسفيان : لما صبروا عن الدنيا : وكذلك قال الحسن بن صالح .
قال سفيان : هكذا كان هؤلاء ، ولا ينبغي للرجل أن يكون إماما يُقتَدى به حتى يتحامى عن الدنيا .
قال وكيع : قال سفيان : لا بد للدين من العلم ، كما لا بد للجسد من الخبز .
وقال ابن بنت الشافعي : قرأ أبي على عمي - أو : عمي على أبي - سئل سفيان عن قول علي ، رضي الله عنه : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ألم تسمع قوله : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا } ، قال : لما أخذوا برأس الأمر صاروا رؤوسًا . قال بعض العلماء : بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين .
ولهذا قال تعالى ] :{[23157]} { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّة [ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ . وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأمْرِ ] فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ } [ الجاثية : 16 ، 17 ] {[23158]} ، كما قال هنا : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }
والضمير في { جعلناه } يحتمل أن يعود على موسى ، وهو قول قتادة ، ويحتمل أن يعود على { الكتاب } و { أئمة } جمع إمام وهو الذي يقتدى به وأصله خيط البناء وجمهور النحويين على «أئمة » بياء وتخفيف الهمزة ، إلا ابن أبي إسحاق فإنه جوز اجتماع الهمزتين وقرأ «أئمة » وقرأ جمهور القراء «لَمَّا صبروا » بفتح اللام وشد الميم ، وقرأ حمزة والكسائي «لِما » بكسر اللام وتخفيف الميم وهي قراءة ابن مسعود وطلحة والأعمش ، فالأولى في معنى الظرف والثانية كأنه قال لأجل صبرهم ، ف «ما » مصدرية ، وفي القراءتين معنى المجازاة أي جعلهم أئمة جزاء على صبرهم عن الدنيا وكونهم موقنين بآيات الله وأوامره وجميع ما تورده الشريعة ، وقرأ ابن مسعود «بما صبروا » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.