( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) . .
لكن ظلال الرحمة تتراءى من وراء هذا العذاب الأدنى ؛ فالله سبحانه و تعالى لا يحب أن يعذب عباده إذا لم يستحقوا العذاب بعملهم ، وإذا لم يصروا على موجبات العذاب . فهو يوعدهم بأن يأخذهم بالعذاب في الأرض ( لعلهم يرجعون ) . . وتستيقظ فطرتهم ، ويردهم ألم العذاب إلى الصواب . ولو فعلوا لما صاروا إلى مصير الفاسقين الذين رأيناه في مشهدهم الأليم .
وقوله : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ] } {[23136]} قال{[23137]} ابن عباس : يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها ، وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه . وروي مثله عن أبي بن كعب ، وأبي العالية ، والحسن ، وإبراهيم النَّخَعِي ، والضحاك ، وعلقمة ، وعطية ، ومجاهد ، وقتادة ، وعبد الكريم الجَزَري ، وخَصِيف .
وقال ابن عباس - في رواية عنه - : يعني به إقامة الحدود عليهم .
وقال البراء بن عازب ، ومجاهد ، وأبو عبيدة : يعني به عذاب القبر .
وقال النسائي : أخبرنا عمرو بن علي ، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص وأبي عبيدة{[23138]} ، عن عبد الله : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ } قال : سنون أصابتهم . {[23139]}
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني عبد الله بن عُمَر القَوَاريري ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن عَزْرَة{[23140]} ، عن الحسن العُرَني ، عن يحيى بن الجزار ، عن ابن أبي ليلى{[23141]} عن أبي بن كعب في هذه الآية : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ } قال : المصيبات{[23142]} والدخان قد مضيا ، والبطشة واللزام . {[23143]}
ورواه مسلم من حديث شعبة ، به موقوفا نحوه . {[23144]} وعند البخاري عن ابن مسعود ، نحوه . {[23145]}
وقال عبد الله بن مسعود {[23146]} أيضا ، في رواية عنه : العذاب الأدنى : ما أصابهم من القتل والسبي يوم بدر . وكذا قال مالك ، عن زيد بن أسلم .
قال السُّدِّي وغيره : لم يبق بيت بمكة إلا دخله الحزن على قتيل لهم أو أسير ، فأصيبوا أو غَرموا {[23147]} ، ومنهم مَنْ جمع له الأمران .
الضمير في قوله { لنذيقنهم } لكفار قريش ، أعلم الله تعالى أنه يصيبهم بعذاب دون عذاب الآخرة ، واختلف المتأولون في تعيين { العذاب الأدنى } ، فقال إبراهيم النخعي ومقاتل : هم السنون التي أجاعهم الله تعالى فيها ، وقال ابن عباس وأبي بن كعب : هو مصائب الدنيا من الأمراض ونحوها وقاله ابن زيد ، وقال ابن مسعود والحسن بن علي هو القتل بالسيف كبدر وغيرها .
قال الفقيه الإمام القاضي : فيكون على هذا التأويل الراجع غير الذي يذوق بل الذي يبقى بعده{[9433]} وتختلف رتبتا ضمير الذوق مع ضمير «لعل » وقال أبيّ بن كعب أيضاً هي البطشة ، واللزام ، والدخان . وقال ابن عباس أيضاً عنى بذلك الحدود .
قال الفقيه الإمام القاضي : ويتجه على هذا التأويل أن تكون في فسقة المؤمنين ، وقال مجاهد : عنى بذلك عذاب القبر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.