المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ} (3)

1 - أقسم وأؤكد القسم بيوم القيامة - وهو الحق الثابت - وأقسم وأؤكد القسم بالنفس التي تلوم صاحبها على الذنب والتقصير ، لتبعثن بعد جمع ما تفرق من عظامكم ، أيحسب الإنسان - بعد أن خلقناه من عدم - أن لن نجمع ما بلى وتفرق من عظامه ؟ .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ} (3)

{ أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه } نزلت في عدي بن ربيعة ، حليف بني زهرة ، ختن الأخنس بن شريق الثقفي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اكفني جاري السوء ، يعني عدياً وذلك " أن عدي بن ربيعة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد حدثني عن القيامة متى تكون وكيف أمرها وحالها ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن بك أو يجمع الله العظام ؟ فأنزل الله عز وجل : { أيحسب الإنسان } يعني الكافر { أن نجمع عظامه } بعد التفرق والبلى فنحييه . قيل : ذكر العظام وأراد نفسه لأن العظام قالب النفس لا يستوي الخلق إلا باستوائها . وقيل : هو خارج على قول المنكر أو يجمع الله العظام كقوله : { قال من يحيي العظام وهي رميم }( يس- 78 ) .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ} (3)

( لا أقسم بيوم القيامة ، ولا أقسم بالنفس اللوامة ) . . على وقوع هذه القيامة ، ولكنه لما عدل عن القسم ، عدل عن ذكر المقسم به ، وجاء به في صورة أخرى كأنها ابتداء لحديث بعد التنبيه إليه بهذا المطلع الموقظ :

أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ? بلى قادرين على أن نسوي بنانه . .

وقد كانت المشكلة الشعورية عند المشركين هي صعوبة تصورهم لجمع العظام البالية ، الذاهبة في التراب ، المتفرقة في الثرى ، لإعادة بعث الإنسان حيا ! ولعلها لا تزال كذلك في بعض النفوس إلى يومنا هذا !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ} (3)

وقوله : { أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ } أي : يوم القيامة ، أيظن أنا لا نقدر على إعادة عظامه وجمعها من أماكنها المتفرقة ؟

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ} (3)

وقوله : أيَحْسَبُ الإنْسانُ أَلّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ يقول تعالى ذكره : أيظنّ ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرّقها ، بلى قادرين على أعظم من ذلك ، أن نسويَ بنانه ، وهي أصابع يديه ورجليه ، فنجعلها شيئا واحدا كخفّ البعير ، أو حافر الحمار ، فكان لا يأخذ ما يأكل إلا بفيه كسائر البهائم ، ولكنه فرق أصابع يديه يأخذ بها ، ويتناول ويقبض إذا شاء ويبسط ، فحسن خلقه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي الخير بن تميم ، عن سعيد بن جُبير ، قال : قال لي ابن عباس : سل ، فقلت : أيَحْسَبُ الإنْسانُ أَلّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : لو شاء لجعله خفا أو حافرا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : أنا قادر على أن أجعل كفه مجمّرة مثل خفّ البعير .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن إسرائيل ، عن مغيرة ، عمن حدثه ، عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : نجعله خفا أو حافرا .

قال : ثنا وكيع ، عن النضر ، عن عكرِمة على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : على أن نجعله مثل خُفّ البعير ، أو حافر الحمار .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : جعلها يدا ، وجعلها أصابع يقبضهنّ ويبسطهنّ ، ولو شاء لجمعهنّ ، فاتقيت الأرض بفيك ، ولكن سوّاك خلقا حسنا . قال أبو رجاء : وسُئل عكرِمة فقال : لو شاء لجعلها كخفّ البعير .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ رجليه ، قال : كخفّ البعير فلا يعمل بهما شيئا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : بَلى قادِرِينَ على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قادر والله على أن يجعل بنانه كحافر الدابة ، أو كخفّ البعير ، ولو شاء لجعله كذلك ، فإنما ينقي طعامه بفيه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : لو شاء جعل بنانه مثل خفّ البعير ، أو حافر الدابة .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله على أنْ نُسَوّيَ بَنانَهُ قال : البنان : الأصابع ، يقول : نحن قادرون على أن نجعل بنانه مثل خفّ البعير .

واختلف أهل العربية في وجه نصب قادِرِينَ فقال بعضهم : نصب لأنه واقع موقع نفعل ، فلما ردّ إلى فاعل نصب ، وقالوا : معنى الكلام : أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بل نقدر على أن نسوّي بنانه ثم صرف نقدر إلى قادرين . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : نصب على الخروج من نجمع ، كأنه قيل في الكلام : أيحسب أن لن نقوَى عليه ؟ بل قادرين على أقوى منك . يريد : بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا . وقال : قول الناس بل نقدر ، فلما صرفت إلى قادرين نصبت خطأ ، لأن الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إلى فاعل . ألا ترى أنك تقول : أتقوم إلينا ، فإن حوّلتها إلى فاعل قلت : أقائم ، وكان خطأ أن تقول قائما قال : وقد كانوا يحتجون بقول الفرزدق :

عَلَى قَسَمٍ لا أشْتُمُ الدّهْرَ مُسْلِما *** وَلا خارِجا مِنْ فِيّ زُورُ كَلام

فقالوا : إنما أراد : لا أشتم ولا يخرج ، فلما صرفها إلى خارج نصبها ، وإنما نصب لأنه أراد : عاهدت ربي لاشاتما أحدا ، ولا خارجا من فيّ زور كلام وقوله : لا أشتم ، في موضع نصب . وكان بعض نحويي البصرة يقول : نصب على نجمع : أي بل نجمعها قادرين على أن نسوّي بنانه ، وهذا القول الثاني أشبه بالصحة على مذهب أهل العربية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ} (3)

أيحسب الإنسان يعني الجنس وإسناد الفعل إليه لأن فيهم من يحسب أو الذي نزل فيه وهو عدي بن أبي ربيعة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر القيامة فأخبره به فقال لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك أو يجمع الله هذه العظام أن لن نجمع عظامه بعد تفرقها وقرئ أن لن يجمع على البناء للمفعول .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ} (3)

وقوله : { أيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } الخ دليل على جواب القسم إذ تقدير الجواب لنجمعن عظامكم ونبعثكم للحساب .

وتعريف { الإِنسان } تعريف الجنس ، ووقوعه في سياق الإِنكار الذي هو في معنى النفي يقتضي العموم ، وهو عموم عرفي منظور فيه إلى غالب الناس يومئذٍ إذ كان المؤمنون قليلاً . فالمعنى : أيحسب الإِنسان الكافر .

وجملة { أن لن نجمع عظامه } مركبة من حرف { أن } المفتوحة الهمزة المخففة النون التي هي أخت ( إنّ ) المكسورة .

واسم { أن } ضمير شأن محذوف .

والجملة الواقعة بعد { أنْ } خبر عن ضمير الشأن ، فسيبويه يجعل { أن } مع اسمها وخبرها سادّة مسدّ مفعولي فعل الظن . والأخفش يَجعل { أن } مع جزئيها في مقام المفعول الأول ( أي لأنه مصدر ) ويقدِّر مفعولاً ثانياً . وذلك أن من خواص أفعال القلوب جواز دخول ( أن ) المفتوحة الهمزة بعدها فيستغني الفعل ب ( أن ) واسمها وخبرها عن مفعوليه .

وجيء بحرف { لن } الدال على تأكيد النفي لحكاية اعتقاد المشركين استحالة جمع العظام بعد رمامها وتشتتها .

قال القرطبي : نزلت في عدي بن ربيعة ( الصواب ابن أبي ربيعة ) قال للنبيء صلى الله عليه وسلم يا محمد حدِّثْني عن يوم القيامة فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عدي : لو عاينتُ ذلك اليوم لم أصدقْك أوَ يجمع الله العظام . فنزلت هذه الآية ، ألا قلت : إن سبب النزول لا يخصص الإِنسان بهذا السائل .

والعظام : كناية عن الجسد كله ، وإنما خصت بالذكر لحكاية أقوالهم { من يُحيي العظام وهي رميم } [ يس : 78 ] { أإذا كنا عظاماً ورفاتاً إنا لمبعوثون } [ الإسراء : 49 ] { أإذَا كنا عظاماً نخرة } [ النازعات : 11 ] فهم احتجوا باستحالة قبول العظام للإِعادة بعد البِلى ، على أن استحالة إعادة اللحم والعصب والفؤاد بالأولى . فإثبات إعادة العظام اقتضى أن إعادة بقية الجسم مساوٍ لإِعادة العظم وفي ذلك كفاية من الاستدلال مع الإِيجاز .

ثم إن كانت إعادة الخلق بجَمع أجزاء أجسامهم المتفرقة من ذراتتٍ الله أعلم بها ، وهو أحد قولين لعلمائنا ، ففعل { نجمع } محمول على حقيقته . وإن كان البعث بخلق أجسام أخرى على صور الأجسام الفانية سواء كان خلقاً مستأنفاً أو مبتدأ من أعجاب الأذناب على ما ورد في بعض الأخبار وهما قولان لعلمائنا . ففعل { نجمع } مستعار للخلق الذي هو على صورة الجسم الذي بلِيَ . ومناسبة استعارته مشاكلةُ أقوال المشركين التي أريد إبطالُها لتجنب الدخول معهم في تصوير كيفية البعث ، ولذلك لا ترى في آيات القرآن إلاّ إجمالها ومِن ثَم اختلف علماء الإِسلام في كيفية إعادة الأجسام عند البعث . واختار إمام الحرمين التوقف ، وآيات القرآن ورد فيها ما يصلح للأمرين .