اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَيَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ} (3)

قوله : { أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن } . هذه «أن » المخففة وتقدم حكمها في «المائدة » و «أن » وما في حيِّزها في موضع الجرِّ ، والفاصل هنا حرف النَّفي ، وهي وما في حيِّزها سادَّةٌ مسدّ مفعولي «حَسِب » أو مفعوله على الخلاف .

والعامَّة : على «نَجْمَعَ » بنون العظمة ، و «عِظامهُ » نصب مفعولاً به .

وقتادة : «تُجْمع »{[58634]} بتاءٍ من فوقُ مضمومةٍ على ما لم يسم فاعله ؛ «عظامه » رفع لقيامه مقام الفاعل .

فصل في جواب هذا القسم

قال الزجاج : أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة ليجمعنَّ العظام للبعث ، فهذا جواب [ القسم .

وقال النحاس : جواب ]{[58635]} القسم محذوف ، أي : لنبعثن .

والمراد بالإنسان : الكافر المكذب بالبعث .

قيل : «نزلت في عدي بن ربيعة قال للبني صلى الله عليه وسلم حَدِّثنِي عن يَومِ القِيامةِ مَتَى تكُونُ ، وكَيْفَ أمْرهَا وحَالُهَا ؟ فأخْبرَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : لَوْ عَايَنْتُ ذلكَ اليَوْمَ لَمْ أصَدِّقكَ يا مُحمَّدُ ولَمْ أومِنْ بِه ، أو يَجْمَعُ اللَّهُ العِظامَ ؟ ولهذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول : " اللَّهُمَّ اكفِنِي جَارَي السُّوءِ عدَيَّ بن ربيعَة ، والأخنس بنَ شَريقٍ " {[58636]} .

وقيل : نزلت في عدو الله أبي جهل حين أنكر البعث بعد الموت ، وذكر العظام ، والمراد نفسه كلها ؛ لأن العظام قالب الخلق .

وقيل : المراد بالإنسان : كل من أنكر البعث مطلقاً .

قوله : { بلى } إيجاب لما بعد النفي المنسحب عليه الاستفهام ، وهو وقف حسن ، ثم يبتدئ " قَادِرين " ، ف " قَادِرين " حال من الفاعل المضمر في الفعل المحذوف على ما ذكرنا من التقدير .

وقيل : المعنى بل نجمعها نقدر قادرين .

قال الفراء : " قادرين " نصب على الخروج من " نَجْمعَ " أي نقدر ونقوى " قادرين " على أكثر من ذلك .

وقال أيضاً : يَصْلُح نصبُه على التكرير ، أي : بلى فليحسبنا قادرين .

وقيل : المضمر " كنا " أي : كنا قادرين في الابتداء ، وقد اعترف به المشركون .

وقرأ ابن أبي عبلة{[58637]} وابن السميفع : " قادرون " رفعاً على خبر ابتداء مضمر ، أي " بلى " نحن " قادرون " { على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } والبنانُ عند العرب : الأصابع ، واحدُها بنانةٌ ؛ قال عنترة : [ الوافر ]

4985 - وأنَّ المَوْتَ طَوْعُ يَدِي إذَا مَا*** وصَلْتُ بَنانَهَا بالهِنْدُوَانِي{[58638]}

فنبه بالبنان على بقية الأعضاء .

وأيضاً : فإنها أضعف العظام فخصها الله - عز وجل - بالذكر لذلك .


[58634]:ينظر: الكشاف 4/659، والبحر المحيط 8/376، والدر المصون 6/426.
[58635]:سقط من أ.
[58636]:ذكره ابن الجوزي في "تفسيره" المسمى بـ"زاد المسير" (8/417) والقرطبي في "تفسيره" (19/61).
[58637]:ينظر: المحرر الوجيز 5/402، والبحر المحيط 8/376، والدر المصون 6/426.
[58638]:ينظر ديوان عنترة ص 150، والقرطبي 19/92.