قوله تعالى : { وتحمل أثقالكم } ، أحمالكم { إلى بلد } ، آخر غير بلدكم . قال عكرمة : البلد مكة { لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } ، أي : بالمشقة والجهد . والشق : النصف أيضا أي : لم تكونوا بالغية إلا بنقصان قلة النفس وذهاب نصفها . وقرأ أبو جعفر { بشق } بفتح الشين ، وهما لغتان ، مثل : رطل ورطل . { إن ربكم لرؤوف رحيم } بخلقة حيث جعل لهم هذه المنافع .
وقوله : { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } يقول : وتحمل هذه الأنعام أثقالكم إلى بلد آخر لم تكونوا بالغيه إلا بجهد من أنفسكم شديد ومشقة عظيمة . كما :
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن جابر ، عن عكرمة : { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } قال : لو تكلفونه لم تبلغوه إلا بجهد شديد .
حدثنا ابن وكيع ، قال حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة : { إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } قال : البلد : مكة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ؛ وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ؛ وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ؛ وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله { إلا بشق الأنفس } قال : مشقة عليكم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثن سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } يقول : بجهد الأنفس .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، بنحوه .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار بكسر الشين : { إلا بشق الأنفس } سوى أبي جعفر القارئ ، فإن :
المثنى حدثني ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، قال : ثني أبو سعيد الرازي ، عن أبي جعفر قارئ المدينة ، أنه كان يقرأ : «لَمْ تَكُونُوا بالِغيهِ إلاّ بِشَقّ الأنْفُسِ » بفتح الشين ، وكان يقول : إنما الشقّ : شقّ النفس . وقال ابن أبي حماد : وكان معاذ الهرّاء يقول : هي لغة ، تقول العرب بشقّ وبشِقّ ، وبرَق وبرِق .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار وهي كسر الشين ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه وشذوذ ما خالفه . وقد يُنشد هذا البيت بكسر الشين وفتحها ، وذلك قول الشاعر :
وذِي إبِلِ يَسْعَى وَيحْسِبُها لَهُ *** أخِي نَصَبٍ مِنْ شَقّها ودُءُوبِ
و «من شِقّيها » أيضا بالكسر والفتح وكذلك قول العجاج :
*** أصبحَ مَسْحُولٌ يُوَازِي شَقّا ***
و «شِقّا » بالفتح والكسر . ويعني بقوله : «يوازي شَقّا » : يقاسي مشقة . وكان بعض أهل العربية يذهب بالفتح إلى المصدر من شققت عليه أشقّ شقّا ، وبالكسر إلى الاسم . وقد يجوز أن يكون الذين قرءوا بالكسر أرادوا إلا بنقص من القوّة وذهاب شيء منها حتى لا يبلغه إلا بعد نقصها ، فيكون معناه عند ذلك : لم تكونوا بالغيه إلا بشقّ قوى أنفسكم وذهاب شقها الاَخر . ويحكى عن العرب : خذ هذا الشّقّ : لشقة الشاة بالكسر ، فأما في شقت عليك شَقّا فلم يحك فيه إلا نصب .
وقوله : إنّ رَبّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ يقول تعالى ذكره : إن ربكم أيها الناس ذو رأفة بكم ورحمة من رحمته بكم ، خلق لكم الأنعام لمنافعكم ومصالحكم ، وخلق السموات والأرض أدلة لكم على وحدانية ربكم ومعرفة إلهكم ، لتشكروه على نعمة عليكم ، فيزيدكم من فضله .
جملة { وتحمل أثقالكم } معطوفة على { ولكم فيها جمال } فهي في موضع الحال أيضاً . والضمير عائد إلى أشهر الأنعام عندهم وهي الإبل ، كقولها في قصّة أم زرع « رَكب شَرياً وأخذَ خطيّاً فأراح علي نعماً ثرياً » ، فإن النعم التي تؤخذ بالرمح هي الإبل لأنها تؤخذ بالغارة .
وضمير { وتحمل } عائد إلى بعض الأنعام بالقرينة . واختيار الفعل المضارع بتكرر ذلك الفعل .
والأثقال : جمع ثَقَل بفتحتين وهو ما يثقل على الناس حمله بأنفسهم .
والمراد ب { بلد } جنس البلد الذي يرتحلون إليه كالشام واليمن بالنسبة إلى أهل الحجاز ، ومنهم أهل مكة في رحلة الصيف والشتاء والرحلة إلى الحجّ .
وقد أفاد { وتحمل أثقالكم } معنى تحملكم وتبلغكم ، بطريقة الكناية القريبة من التصريح . ولذلك عقب بقوله تعالى : { لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } .
وجملة { لم تكونوا بالغيه } صفة ل { بلد } ، وهي مفيدة معنى البعد ، لأن بلوغ المسافر إلى بلد بمشقّة هو من شأن البلد البعيد ، أي لا تبلغونه بدون الأنعام الحاملة أثقالكم .
والشِّقّ بكسر الشين في قراءة الجمهور : المشقة . والباء للملابسة . والمشقة : التعب الشّديد .
وما بعد أداة الاستثناء مستثنى من أحوال لضمير المخاطبين .
وقرأ أبو جعفر { إلا بشق الأنفس } بفتح الشين وهو لغة في الشِق المكسور الشين .
وقد نفت الجملة أن يكونوا بالغيه إلا بمشقّة ، فأفاد ظاهرها أنهم كانوا يبلغونه بدون الرواحل بمشقّة وليس مقصوداً ، إذ كان الحمل على الأنعام مقارناً للأسفار بالانتقال إلى البلاد البعيدة ، بل المراد : لم تكونوا بالغيه لولا الإبل أو بدون الإبل ، فحذف لقرينة السياق .
وجملة { إن بكم لرؤوف رحيم } تعليل لجملة { والأنعام خلقها } ، أي خلقها لهذه المنافع لأنه رؤوف رحيم بكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.