الآية 7 : وقوله تعالى : { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } ذكر أيضا ما جعل فيها للناس من النعم ما تحمل من الأثقال من مكان ومن بلد إلى بلد ، ما لم يكن أنشأهن ، أعني الأنعام التي أخبر أنها تحمل أثقالنا [ ولا نصل ]{[10046]} إلى ذلك بدونه إلا بجهد وشدة .
وذلك ، والله أعلم ، أن الله جعل في هذه الأنفس حوائج وقواما بأن لا قوام لها إلا بذلك . فلعله لا يظهر بما به قوام النفس إلا في بلد آخر ومكان آخر ، فلو تحمل ذلك بنفسه لكان في ذلك تلف نفسه وذهاب ما به قوامه . فذكر أنه خلق لنا ما يحمل به من بلد إلى بلد [ في ما ]{[10047]} به قوام أنفسنا وحاجاتنا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إن ربكم لرؤوف رحيم } أي من رحمته ورأفته ما جعل لكم من المنافع في الأنعام وما ذكر ، أو ذكر لتترحموا على هذه الأنعام التي خلقها لكم{[10048]} في الإنفاق عليها والإحسان إليها ، وذكر فيه { ومنها تأكلون } ( النحل : 5 ) وذلك لا يوصل إلى أكله إلا بالذبح . فما{[10049]} يؤكل ليس بخارج من الرحمة والرأفة .
وذلك ينقض على الثنوية قولهم ؛ أنكروا ذبح هذه الأشياء ، ويقولون : إنهم يتألمون بالضرب والذبح والقتل كما تتألمون أنتم ، فمن قَصَد قَصد أحدكم بالقتل فهو سفيه عندكم غير حكيم ولا رحيم ، بل موصوف بالقساوة والسفه ، فالله ، سبحانه ، موصوف بالحكمة ، والرحمة والرأفة ، لا يجوز أن يأمر بالذبح والقتل لهذه الأشياء ، إن في ذلك ما يزيل الرحمة والحكمة .
أحدهما ]{[10050]} : أن الله خلق هذا البشر في هذه الدنيا للمحنة ولعقابه قصدها : إما ثوابا وإما عقابا ، وأخبر أنه خلق هذه الأشياء لنا ، وجعل لنا فيها منافع ، تؤمل ، وتقصد . وقد تجد في الشاهد من هو موصوف بالرحمة والرأفة على نفسه ؛ يخرج نفسه الجراحات ، ويحمل عليها الشدائد والمكروهات لمنافع ، يقصدها{[10051]} وخير يأمله{[10052]} في العاقبة ، ثم لم يوصف بالسفه ولا بالخروج / 281 – ب / عن الحكمة والرحمة من الحجامة والافتصاد وشرب الأدوية الكريهة الشديدة ما لو لم يأمل ما قصد من النفع والعافية في العاقبة ما تحمل تلك المكروهات والشدائد . فدل ما وصفنا أن تحمل الأذى والألم والمكروه غير خارج عن الحكمة والرحمة ، ولا الفعل بما فعل سفه إذا كان لمنافع تقصد في العاقبة وعاقبة تؤمل . فيبطل قول الثنوية : إن ذلك مما يزيل الرحمة .
والثاني{[10053]} : أن هذه الأنعام والبهائم لم تخلق للمحنة وللجزاء في العاقبة ، ولكن خلقت لمنافع البشر ؛ فلهم الانتفاع بها مرة بلحومها ومرة بحمل أثقالهم{[10054]} والانتفاع بظهورها مع ما ذكرنا أن تحمل المكروهات وأنواع الشدائد والألم ، لا يخرج الفعل عن الحكمة ، ولا يزيل الرحمة والرأفة إذا قصد به النفع في العاقبة ، وطمع فيه الخير . وهذا يدل أنه أبيح لنا الانتفاع والذبح على غير جعل حقيقتها لنا حين{[10055]} لم يبح لنا إتلافها ، إذ لو كانت أصول الأشياء لنا لكان لا يمنع عن الإتلاف . فدل أنه أبيح لنا الانتفاع بها على غير جعل الحقيقة والأصول لنا . فيبطل قول من يقول : إن الأشياء في الأصل على الحل والإباحة حتى يقوم ما يحظر .
قال أبو عبيد : { حين تريحون } يقال فيه{[10056]} : أرحت الإبل أريحها إراحة ، والإراحة عند العرب أن يصد الرعاء مواشيهم{[10057]} بالليل إلى مأواها . ولهذا سمي ذلك الموضع المراح . وقوله : { وحين تسرحون } هو إخراجها إلى المرعى ؛ يقال : سرحتها أسرحها سرحا وسروحا . وكذلك القتبي وأبو عوسجة . والدفء ما ذكرنا أنه من الاستدفاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.