اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدٖ لَّمۡ تَكُونُواْ بَٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (7)

{ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ } .

الأثقالُ : جمع ثِقَل ، وهو متاع السَّفر إلى بلدٍ . قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما- : " يريد من مكة إلى [ المدينة ]{[19709]} والشام ومصر " {[19710]} .

وقال الواحديُّ - رحمه الله- : " والمراد كلُّ بلدٍ لو تكلفتم بلوغه على غير إبلٍ لشقَّ عليكم " .

وخصَّ ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - هذه البلاد لأنَّها متاجر أهل مكة .

قوله { لَّمْ تَكُونُواْ } صفة ل " بَلدٍ " ، و " إلاَّ بشقِّ " حال من الضمير المرفوع في " بَالغِيهِ " ، أي : لم تبلغوه إلا ملتبسين بالمشقةِ{[19711]} .

والعامة على كسر الشِّين . وقرأ أبو جعفر ورويت عن نافع ، وأبي عمرو بفتحها ؛ فقيل : هما مصدران بمعنى واحد ، أي : المشقَّة فمن الكسرِ قول الشاعر : [ الطويل ]

رَأى إبلاً تَسْعَى ويَحْسِبُهَا لَهُ *** أخِي نَصبٍ مِنْ شِقِّهَا ودُءُوبِ{[19712]}

أي : من مشقّتها .

وقيل : المفتوح المصدر ، والمكسور الاسم .

وقيل : بالكسر نصف الشيء . وفي التفسير : إلاَّ بنصف أنفسكم ، كما تقول : لَمْ تَنلهُ إلا بقطعه من كيدك على المجاز .

فصل

إذا حملنا الشقَّ على المشقَّةِ كان المعنى : لم تكونوا بالغيه إلاَّ بالمشقَّة ، وإن حملناها على نصف الشيء كان المعنى : لم تكونوا بالغيه إلا عند ذهاب نصف قوتكم ونقصانها .

قال بعضهم : المراد من قوله تعالى { والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ } الإبل فقط ، لأنه وصفها في آخر الآية بقوله - عز وجل - { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ } وهذا لا يليق إلاَّ بالإبل فقط .

والجواب : أنَّ هذه الآيات وردت لتعديدِ منافع الأنعام ، فبعض تلك المنافع حاصل في الكلِّ ، وبعضها يختص بالبعض ، لأنَّ قوله تعالى : { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ } حاصل في البقر والغنم أيضاً .

{ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } بخلقه حيث جعل لهم هذه المنافع .

فصل

احتجَّ منكرو كرامات الأولياءِ بهذه الآية ، لأنَّ هذه الآية دلت على أنَّ الإنسان لا يمكنه الانتقال من بلدٍ إلى بلدٍ إلا بشقِّ الأنفس ، وحملِ الأثقالِ على [ الجمال ]{[19713]} ، فيكون الانتقال من بلدٍ إلى بلدٍ بعيدٍ في ليلةٍ واحدةٍ من غير تعبٍ ، وتحمُّل مشقة خلاف هذه الآية ، فيكون باطلاً .

ولمَّا بطل القول بالكرامات في هذه الصورة ، بطل القول بها في سائر الصُّورِ ؛ لأنه لا قائل بالفرق .

والجواب : أنَّا نَخُصُّ هذه الآية بالأدلَّة الدالة على وقوع الكرامات .


[19709]:في أ: اليمن.
[19710]:ذكره الرازي في "تفسيره" (19/182).
[19711]:ينظر: الإتحاف 2/181، والمحتسب 2/7، والبحر 5/462، والقرطبي 10/48، والدر المصون 4/314.
[19712]:البيت للنمر بن تولب: ينظر: اللسان والتاج والصحاح (شقق)، البحر المحيط 5/462، مجاز القرآن 1/356، الكامل 1/1373، القرطبي 10/48، روح المعاني 14/100، الطبري 14/81، الدر المصون 4/314. ويروى صدره هكذا: وذي إبل يسعى ويحسبها لها
[19713]:في ب: الأحمال.