المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدٖ لَّمۡ تَكُونُواْ بَٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (7)

و «الأثقال » الأمتعة ، وقيل المراد هنا الأجسام كقوله { وأخرجت الأرض أثقالها }{[7252]} [ الزلزلة : 2 ] أي أجسام بني آدم .

قال القاضي أبو محمد : واللفظ يحتمل المعنيين ، قال النقاش : ومنه سمي الإنس والجن الثقلين ، وقوله { إلى بلد } أي بلد توجهتم بحسب اختلاف أغراض الناس ، وقال عكرمة وابن عباس والربيع بن أنس : المراد مكة{[7253]} ، وفي الآية على هذا حض على الحج . و «الشق » المشقة ، ومنه قول الشاعر [ النمر بن تولب ] : [ الطويل ]

وذي إبل يسعى ويحسبها له . . . أخي نصب من شقها ودؤوب{[7254]}

أي من مشقتها ، ويقال فيها شق وشق أي مشقة ، وقرأ أبو جعفر القاري وعمرو بن ميمون وابن أرقم ومجاهد والأعرج «بشَق الأنفس » بفتح الشين ، ورويت عن نافع وأبي عمرو ، وذهب الفراء إلى أن معنى { بشق الأنفس } أي بذهاب نصفها ، كأنه قد ذابت نصباً وتعباً ، كما تقول لرجل لا تقدر على كذا إلا بذهاب جل نفسك وبقطعة من كبدك ونحو هذا من المجاز ، وذهبوا في فتح الشين إلى أنه مصدر : شَق يشق ، ثم أوجب رأفة الله ورحمته في هذه النعم التي أذهبت المشقات ورفعت الكلف .


[7252]:الآية (2) من سورة (الزلزلة).
[7253]:وقيل : مدينة الرسول، وقيل: مصر. قال أبو حيان: "وينبغي حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على المراد، إذ المنة لا تختص بالحمل إليها".
[7254]:البيت للنمر بن تولب، قال ذلك في (اللسان ـ شفق). و فيه: الشق: المشقة. وقد ينشد البيت بكسر الشين وبفتحها، قال أبو عبيدة في "معاني القرآن" : إلا بشق الأنفس" بكسر أوله ويفتح، ومثل هذا البيت قول العجاج: أصبح مسحول يوازي شقا ومسحول هو بعيره، ويوازي: يقاسي. والشق: المشقة.