البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدٖ لَّمۡ تَكُونُواْ بَٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (7)

والأثقال . الأمتعة : واحدها ثقل .

وقيل : الأجسام لقوله تعالى : { وأخرجت الأرض أثقالها } أي أجساد بني آدم .

وقوله : إلى بلد ، لا يراد به معين أي : إلى بلد بعيد توجهتم إليه لأغراضكم .

وقيل : المراد به معين وهو مكة ، قاله : ابن عباس ، وعكرمة ، والربيع بن أنس .

وقيل : مدينة الرسول .

وقيل : مصر .

وينبغي حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على المراد ، إذ المنة لا تختص بالحمل إليها .

ولم تكونوا بالغيه صفة للبلد ، ويحتمل أن يكون التقدير بها ، وذلك تنبيه على بعد البلد ، وأنه مع الاستعانة بها بحمل الأثقال لا يصلون إليه إلا بالمشقة .

أو يكون التقدير : لم تكونوا بالغيه بأنفسكم دونها إلا بالمشقة عن أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم .

وقرأ الجمهور : بشق بكسر الشين .

وقرأ مجاهد ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وعمر بن ميمون ، وابن أرقم : بفتحها .

ورويت عن نافع وأبي عمرو ، وهما مصدران معناهما المشقة .

وقيل : الشق بالفتح المصدر ، وبالكسر الاسم ، ويعني به : المشقة .

وقال الشاعر في الكسر :

أذي إبل يسعى ويحسبها له . . . ***أخي نصب من شقها ودؤوب

أي مشقتها .

وشق الشيء نصفه ، وعلى هذا حمله الفراء هنا أي : يذهبان صف الأنفس ، كأنها قد ذابت تعباً ونصباً كما تقول : لا تقدر على كذا إلا بذهاب جل نفسك ، وبقطعة من كبدك .

ونحو هذا من المجاز .

ويقال : أخذت شق الشاة أي نصفها والشق : الجانب ، والأخ الشقيق ، وشق اسم كاهن .

وناسب الامتنان بهذه النعمة من حملها الأثقال الختم بصفة الرأفة والرحمة ، لأن من رأفته تيسير هذه المصالح وتسخير الأنعام لكم .