السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَتَحۡمِلُ أَثۡقَالَكُمۡ إِلَىٰ بَلَدٖ لَّمۡ تَكُونُواْ بَٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلۡأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (7)

النوع الرابع : قوله تعالى : { وتحمل أثقالكم } جمع ثقل وهو متاع المسافر . { إلى بلد } أي : غير بلدكم أردتم السفر إليه { لم تكونوا بالغيه } أي : غير واصلين إليه على غير الإبل { إلا بشق الأنفس } أي : إلا بكلفة ومشقة والشق بكسر الشين نصف الشي ، أي : لم تكونوا بالغيه إلا بنقصان قوّة النفس وذهاب نصفها . وقال ابن عباس : يريد من مكة إلى اليمن وإلى الشأم وإلى مصر قال الواحدي : والمراد كل بلد لو تكلفتم بلوغه على غير إبل شق عليكم . وخص ابن عباس هذه البلاد لأنّ متاجر أهل مكة كانت إلى هذه البلاد . فإن قيل : المراد من قوله تعالى : { والأنعام خلقها لكم } الإبل فقط بدليل أنه وصفها إلى آخر الآية بقوله : { وتحمل أثقالكم إلى بلد } وهذا الوصف لا يليق إلا بالإبل ؟ أجيب : بأنّ المقصود من هذه الآيات تعديد منافع الأنعام فبعض تلك المنافع حاصل في الكل وبعضها مختص بالبعض والدليل عليه أن قوله : { ولكم فيها جمال } حاصل في البقر والغنم ، مثل حصوله في الإبل .

تنبيه : احتج منكرو كرامات الأولياء بهذه الآية فإنها تدل على أنّ الإنسان لا يمكنه الانتقال من بلد إلى بلد إلا بشق الأنفس وحمل الأثقال على الإبل ومثبتوا الكرامات يقولون : إنّ الأولياء قد ينتقلون من بلد إلى بلد آخر بعيد في ليلة واحدة من غير تعب وتحمل مشقة ، وكان ذلك على خلاف هذه الآية فيكون باطلاً وإذا بطل القول بالكرامات في هذه الصورة بطل القول بها في سائر الصور إذ لا قائل بالفرق ، وأجاب المثبتون بأنا نخصص عموم هذه الآية بالأدلة الدالة على وقوع الكرامات { إنّ ربكم } أي : الموجد لكم والمحسن إليكم { لرؤوف } أي : بليغ الرحمة لمن يتوسل إليه بما يرضيه . وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة والكسائي بقصر الهمزة والباقون بالمدّ . { رحيم } أي : بليغ الرحمة بسبب وبغير سبب .