47- ويأخذ الغرور كفار مكة فلا يبالون مع قيام هذه العبر ، فيستعجلونك - أيها النبي - بوقوع ما توعدتهم به من العذاب تحدياً واستهزاء ، وهو لا محالة واقع بهم ، ولكن في موعد قدَّره الله في الدنيا أو في الآخرة ، ولن يخلف وعده بحال ولو طالت السنون ، فإن يوماً واحداً عنده يماثل ألف سنة مما تقدرون وتحسبون{[135]} .
قوله تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب } نزلت في النضر بن الحارث حيث قال : إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء . { ولن يخلف الله وعده } فأنجز ذلك يوم بدر . { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي : ( يعدون ) بالياء هاهنا لقوله : { يستعجلونك } وقرأ الباقون : بالتاء لأنه أعم ، لأنه خطاب للمستعجلين والمؤمنين ، واتفقوا في تنزيل السجدة أنه بالتاء . قال ابن عباس : يعني يوماً من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض . وقال مجاهد و عكرمة : يوماً من أيام الآخرة ، والدليل عليه ما روي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة ، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم ، وذلك مقدار خمسمائة سنة " . قال ابن زيد : ( وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ) هذه أيام الآخرة . وقوله : ( مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ) يوم القيامة . والمعنى على هذا : أنهم يستعجلون بالعذاب ، وإن يوماً من أيام عذابهم في الآخرة ألف سنة . وقيل : معناه وإن يوماً من أيام العذاب الذي استعجلوه في الثقل والاستطالة والشدة كألف سنة مما تعدون ، فكيف تستعجلونه ؟ هذا كما يقال : أيام الهموم طوال ، وأيام السرور قصار . وقيل : معناه إن يوماً عنده وألف سنة في الإمهال سواء ، لأنه قادر متى شاء أخذهم لا يفوته شيء بالتأخير ، فيستوي في قدرته وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء .
{ 47 - 48 } { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ }
أي : يستعجلك هؤلاء المكذبون بالعذاب ، لجهلهم ، وظلمهم ، وعنادهم ، وتعجيزا لله ، وتكذيبا لرسله ، ولن يخلف الله وعده ، فما وعدهم به من العذاب ، لابد من وقوعه ، ولا يمنعهم منه مانع ، وأما عجلته ، والمبادرة فيه ، فليس ذلك إليك يا محمد ، ولا يستفزنك عجلتهم وتعجيزهم إيانا . فإن أمامهم يوم القيامة ، الذي يجمع فيه أولهم وآخرهم ، ويجازون بأعمالهم ، ويقع بهم العذاب الدائم الأليم ، ولهذا قال : { وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } من طوله ، وشدته ، وهو له ، فسواء أصابهم عذاب في الدنيا ، أم تأخر عنهم العذاب ، فإن هذا اليوم ، لا بد أن يدركهم .
ويحتمل أن المراد : أن الله حليم ، ولو استعجلوا العذاب ، فإن يوما عنده كألف سنة مما تعدون ، فالمدة ، وإن تطاولتموها ، واستبطأتم فيها نزول العذاب ، فإن الله يمهل المدد الطويلة ولا يهمل ، حتى إذا أخذ الظالمين بعذابه لم يفلتهم .
{ ويستعجلونك بالعذاب } المتوعد به . { ولن يخلف الله وعده } لامتناع الخلف في خبره فيصيبهم ما أوعدهم به ولو بعد حين لكنه صبور لا يعجل بالعقوبة . { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } بيان لتناهي صبره وتأنيه حتى استقصر المدد الطوال ، أو لتمادي عذابه وطول أيامه حقيقية ، أو من حيث إن أيام الشدائد مستطالة ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء .
والضمير في { يستعجلونك } لقريش ، وقوله { ولن يخلف الله وعده } ، وعد ووعيد وإخبار بأن كل شيء إلى وقت محدود ، و «الوعد » هنا مقيد بالعذاب فلذلك ، ورد في مكروه ، وقوله { وإن يوماً عند ربك كألف سنة } ، قالت فرقة : معناه { وإن يوماً } من أيام عذاب الله { كألف سنة } مما تعدون من هذه لطول العذاب وبؤسه ، فكأن المعنى فما أجهل من يستعجل هذا وقالت فرقة معناه { وإن يوماً } عند الله لإحاطته فيه وعلمه وإنفاذه قدرته { كألف سنة } عندكم ع وهذا التأويل يقتضي أن عشرة آلاف سنة وإلى مالا نهاية له من العدد في حكم الألف ولكنهم قالوا ذكر الألف لأنه منتهى العدد كون تكرار فاقتصر عليه ع وهذا التأويل لا يناسب الآية{[8405]} ، وقالت فرقة : أن المعنى أن اليوم عند الله كألف سنة من هذا العدد ، من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم
«إني لأرجو أن تؤخر أمتي نصف يوم »{[8406]} ، وقوله «يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم » ذلك خمسمائة سنة{[8407]} ، ومنه قول ابن عباس : مقدار الحساب يوم القيامة ألف سنة فكأن المعنى وإن طال الإمهال فإنه في بعض يوم من أيام الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.