الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (47)

ثم قال : { ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده }[ 45 ] .

أي : ويستعجلك يا محمد مشركوا قومك بما تعدهم به ، من عذاب الله على شركهم به ، وليس يخلف الله وعده الذي وعد فيهم من إحلال عذابه عليهم .

ثم قال : { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون }[ 45 ] .

يعني : أحد الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض . قاله ابن عباس ، وقاله مجاهد{[47076]} وهي ستة أيام ، كل يوم مقداره ألف سنة مما تعدون .

وعن ابن عباس{[47077]} أن ذلك هو اليوم من أيام الآخرة في مقدار الحساب .

وروى أبو هريرة{[47078]} أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بمقدار نصف يوم ، فقيل له : وما نصف يوم{[47079]} ؟

فقال : أو ما تقرأ القرآن : { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } فهذا يدل على أن المراد بالآية أيام{[47080]} الآخرة ، وهو قول عكرمة . وروي أيضا عن مجاهد{[47081]} وهو قول ابن زيد .

ومعنى إضافة ذكر{[47082]} اليوم إلى الاستعجال بالعذاب ، أنهم استعجلوا العذاب في الدنيا التي أيامها قليلة قصيرة ، فاعلموا أن العذاب يحل بهم في وقت اليوم منه كألف سنة من سني{[47083]} الدنيا ، فذلك أبقى لعذابهم وأشد .

وقيل : المعنى ، أن الله جل ذكره أعلمهم أن الأيام التي بقيت لهم ويحل عليهم العذاب قليلة عنده ، إذ اليوم عنده كألف سنة مما تعدون فوقت العذاب عندكم بطيء أيها المشركون ، وهو قريب عند الله . وقيل{[47084]} معنى ذلك : وأن يوما في الشدة والخوف في الآخرة كألف سنة من أيام الدنيا فيها شدة وخوف وصعوبة ، وهذا قول حسن .

وقيل : المعنى ، وإن مقدار يوم واحد من أيام الدنيا يعذب فيه الكافر في الآخرة كمقدار ألف سنة من الدنيا ، يعذب فيها الكافر لو عذبه فيها ذلك المقدار . وذلك في كثرة الآلام والغموم ، فالشدة{[47085]} على المعذبين ، أجارنا الله من ذلك .

قال بعض المفسرين ، وكذلك سبيل المنعم عليه في الجنة ، ينال فيها من اللذة والنعيم في قدر يوم من أيام الدنيا مثل ما كان ينال في نعيم الدنيا{[47086]} ولذتها في ألف سنة لو نعم فيها منعما مسرورا .


[47076]:انظر: جامع البيان 17/183 والقرطبي 12/78 وابن كثير 3/228.
[47077]:انظر: جامع البيان 17/183.
[47078]:انظر: جامع البيان 17/183 وابن كثير 3/228 والدر المنثور 4/365.
[47079]:ز: اليوم.
[47080]:أيام سقطت من ز.
[47081]:انظر: جامع البيان 17/184 وتفسير القرطبي 12/78 والدر المنثور 4/365.
[47082]:ز: ذلك.
[47083]:ز: سنين.
[47084]:انظر: تفسير القرطبي 12/78.
[47085]:ز: والشدة.
[47086]:قوله: (ما كان ينال...الدنيا) ساقط من ز.