اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (47)

قوله تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ } الآية . نزلت في النضر بن الحارث حيث قال : «إنْ كَان هَذَا هُوَ الحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاء {[31488]} » {[31489]} .

وهذا يدل على أنه - عليه السلام{[31490]} - كان يخوفهم بالعذاب إن استمروا على كفرهم ، ولهذا قال : { وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ } ، فأنجز ذلك يوم بدر . ثم بين أن العاقل لا ينبغي له أن يستعجل عذاب الآخرة فقال : { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ } أي فيما ينالهم من العذاب وشدته { كَأَلْفِ سَنَةٍ } ، فبين تعالى أنهم لو عرفوا حال عذاب الآخرة وأنه بهذا الوصف لما استعجلوه . قاله أبو مسلم{[31491]} وقيل : المراد طول أيام الآخرة في المحاسبة{[31492]} . وقيل : إن اليوم الواحد وألف سنة بالنسبة إليه على السواء ، لأنه القادر الذي لا يعجزه شيء ، فإذا لم يستبعدوا إمهال{[31493]} يوم فلا يستبعدوا إمهال ألف سنة{[31494]} «مِمَّا تَعُدُّون » قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «يَعُدُّون » بياء الغيبة ، لقوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ } وقرأ الباقون بالتاء{[31495]} ، لأنه أعمّ ، ولأنه خطاب للمسلمين . واتفقوا{[31496]} في «تنزيل » السجدة بالتاء{[31497]} . قال ابن عباس : يعني يوماً من الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض{[31498]} وقال مجاهد وعكرمة : يوماً من أيام الآخرة ، لما روى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ صَعَالِيكِ المُهاجِرِينَ بالفَوْزِ التَّام يَوْمَ القِيَامَة تَدْخلونَ الجَنَّة قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنِصْفِ يَوْم ، وذَلِكَ قَدر خَمْسمائةِ سَنَة » {[31499]} .


[31488]:[الأنفال: 32].
[31489]:انظر البغوي 5/597.
[31490]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[31491]:انظر الفخر الرازي 23/47.
[31492]:المرجع السابق.
[31493]:في ب: إلهام وهو تحريف.
[31494]:انظر الفخر الرازي 23/47.
[31495]:السبعة (439)، الكشف 2/122، النشر 2/327، الإتحاف (316).
[31496]:في الأصل: واختلفوا. وهو تحريف.
[31497]:وهو قوله تعالى: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} [السجدة: 5].
[31498]:انظر البغوي 5/598، الدر المنثور 4/365.
[31499]:أخرجه أبو داود (علم) 4/73، أحمد 3/63، 96 وانظر البغوي 5/598.