فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (47)

ثم حكى سبحانه عن هؤلاء ما كانوا عليه من التكذيب والاستهزاء فقال : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب } لأنهم كانوا منكرين لمجيئه أشدّ إنكار ، فاستعجالهم له ، هو على طريقة الاستهزاء والسخرية ، وكأنهم كانوا يقولون ذلك عند سماعهم لما تقوله الأنبياء عن الله سبحانه من الوعد منه عزّ وجلّ بوقوعه عليهم وحلوله بهم ، ولهذا قال : { وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ } قال الفراء : في هذه الآية وعيد لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة . وذكر الزجاج وجهاً آخر فقال : أعلم أن الله لا يفوته شيء ، وإن يوماً عنده وألف سنة في قدرته واحد ، ولا فرق بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره في القدرة ، إلا أن الله تفضل بالإمهال انتهى . ومحل جملة : { ولن يخلف الله وعده } النصب على الحال ، أي والحال أنه لا يخلف وعده أبداً ، وقد سبق الوعد فلا بدّ من مجيئه حتماً ، أو هي اعتراضية مبينة لما قبلها ، وعلى الأوّل تكون جملة : { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ ممَّا تَعُدُّونَ } مستأنفة ، وعلى الثاني تكون معطوفة على الجملة التي قبلها مسوقة لبيان حالهم في الاستعجال ، وخطابهم في ذلك ببيان كمال حلمه ، لكون المدة القصيرة عنده كالمدة الطويلة عندهم كما في قوله : { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً } [ المعارج : 6 ، 7 ] . قال الفرّاء : هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة أي : يوم من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة . وقيل : المعنى : وإن يوماً من الخوف والشدّة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة ، وكذلك يوم النعيم قياساً . قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي : «مما يعدون » بالتحتية ، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ } وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب ، واختارها أبو حاتم .

/خ51