البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (47)

والضمير في { ويستعجلونك } لقريش ، وكان صلى الله عليه وسلم يحذرهم نقمات الله ويوعدهم بذلك دنيا وآخرة وهم لا يصدقون بذلك ويستبعدون وقوعه ، فكان استعجالهم على سبيل الاستهزاء وأن ما توعدتنا به لا يقع وإنه لا بعث وفي قوله { ولن يخلف الله وعده } أي إن ذلك واقع لا محالة ، لكن لوقوعه أجل لا يتعداه .

وأضاف الوعد إليه تعالى لأن رسوله عليه الصلاة والسلام هو المخبر به عن الله تعالى .

وقال الزمخشري : أنكر استعجالهم بالمتوعد به من العذاب العاجل والآجل ، كأنه قال : ولم يستعجلون به كأنهم يجوّزون الفوت وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف والله عز وعلا لا يخلف الميعاد ، وما وعده ليصيبهم ولو بعد حين وهو سبحانه حليم لا يعجل انتهى .

وفي قوله وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف دسيسة الاعتزال .

وقيل : { ولن يخلف الله وعده } في النظرة والإمهال واختلفوا في هذا التشبه .

فقيل : في العدد أي اليوم عند الله ألف سنة من عددكم .

وفي الحديث الصحيح : « يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وذلك خمسمائة عام » فالمعنى وإن طال الإمهال فإنه في بعض يوم من أيام الله .

وقيل : التشبيه وقع في الطول للعذاب فيه ، والشدة أي { وإن يوماً } من أيام عذاب الله لشدة العذاب فيه وطوله { كألف سنة } من عددكم إذ أيام الترحة مستطالة وأيام الفرحة مستقصرة ، وكان ذلك اليوم الواحد كألف سنة من سني العذاب والمعنى أنهم لو عرفوا حال الآخرة ما استعجلوه وهذا القول قريب من قول أبي مسلم .

وقيل : التشبيه بالنسبة إلى علمه تعالى وقدرته وإنفاذ ما يريد { كألف سنة } واقتصر على ألف سنة وإن كان اليوم عنده كما لا نهاية له من العدد لكون الألف منتهى العدد دون تكرار ، وهذا القول لا يناسب مورد الآية إلاّ إن أريد أنه القادر الذي لا يعجزه شيء ، فإذا لم يستبعدوا إمهال يوم فلا يستبعدوا أيضاً إمهال ألف سنة .

وقال ابن عباس : أراد باليوم من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض .

وقال ابن عيسى يجمع لهم عذاب ألف سنة في يوم واحد ، ولأهل الجنة سرور ألف سنة في يوم واحد .

وقال الفراء : تضمنت الآية عذاب الدنيا والآخرة ، وأريد العذاب في الدنيا أي { لن يخلف الله وعده } في إنزال العذاب بكم في الدنيا ، { وإن يوماً } من أيام عذابكم في الآخرة { كألف سنة } من سني الدنيا فكيف تستعجلون العذاب .

وقال الزجاج : تفضل تعالى عليهم بالإمهال والمعنى أن اليوم عند الله والألف سواء في قدرته بين ما استعجلوا به وبين تأخره .

وقرأ الأخوان وابن كثير يعدون بياء الغيبة ، وباقي السبعة بتاء الخطاب