فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (47)

ثم حكى سبحانه عن هؤلاء ما كانوا عليه من التكذيب والاستهزاء فقال :

{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ } أي يطلبون عجلتك { بالْعَذَابِ } لأنهم كانوا منكرين لمجيئه أشد إنكار ، فاستعجالهم له هو على طريقة الاستهزاء والسخرية ، وكأنهم كانوا يقولون ذلك عند سماعهم لما يقوله الأنبياء عن الله سبحانه من الوعد منه عز وجل بوقوعه عليهم وحلوله بهم ، ولهذا قال :

{ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ } قال الفراء : في هذه الآية وعيد لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة . وذكر الزجاج وجها آخر فقال : اعلم أن الله لا يفوته شيء ، وأن يوما عنده وألف سنة في قدرته واحد ، ولا فرق بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره في القدرة ، إلا أن اله تفضل بالإمهال انتهى .

والمعنى والحال أنه لا يخلف وعدا أبدا ، وقد سبق الوعد فلا بد من مجيئه حتما أو الجملة اعتراضية مبينة لما قبلها . قال المحلي : أنجزه يوم بدر ، أي أنزل العذاب بهم في الدنيا فقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون .

{ وَإِنَّ يَوْمًا } من أيام عذابهم { عِندَ رَبِّكَ } في الآخرة { كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } أي من سني الدنيا ، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان حالهم في الاستعجال وخطابهم في ذلك لبيان كمال حكمه لكون المدة القصيرة عنده كالمدة الطويلة عندهم كما في قوله : { إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا } . قال الفراء : هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة أي يوم من أيام عذابهم في الآخرة في الثقل والاستطالة كألف سنة . وقيل المعنى وإن يوما من الخوف والشدة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة ، وكذلك يوم النعيم قياسا ، واقتصر في التشبيه على الألف لأن الألف منتهي العدد بلا تكرار .

وقرئ يعدون بالتحتية لقوله ويستعجلونك ، وبالفوقية على الخطاب ، واختار الأولى أبو عبيدة والثانية أبو حاتم .

وعن ابن عباس قال : عن يوما من الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض كألف سنة ، وعن عكرمة قال : هو يوم القيامة ، وعنه قال : الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة ، وقد مضى منها ستة آلاف .