عرضت هذه السورة الكريمة أحوال القيامة ، وذكرت بما أصاب الأمم السابقة من الهلاك ، والأخذ الشديد حين كذبوا ، وتحدثت عن النفخ في الصور ، وما يصيب الأرض والجبال والسماء من التغير والزوال ، وما يكون بعد ذلك من العرض للحساب ، وبشرت أصحاب اليمين بما يلقون من جزاء كريم ونعيم مقيم ، وأنذرت أصحاب الشمال بالحسرة والعذاب الأليم ، وختمت بالحديث عن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغه ، وعن صدق القرآن الذي هو حق اليقين .
{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ * فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ }
{ الْحَاقَّةُ } من أسماء يوم القيامة ، لأنها تحق وتنزل بالخلق ، وتظهر فيها حقائق الأمور ، ومخبآت الصدور .
سميت { سورة الحاقة } في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . وروى أحمد بن حنبل أن عمر ابن الخطاب قال خرجت يوما بمكة أتعرض لرسول الله قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد الحرام فوقفت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت : هذا والله شاعر ، أي قلت في خاطري ، فقرأ { وما هو بقول شاعر قليل ما تؤمنون } قلت : كاهن ، فقرأ { ولا بقول كاهن قليل ما تذكرون تنزيل من رب العالمين } إلى آخر السورة ، فوقع الإسلام في قلبي كل موقع .
وباسم { الحاقة } عنونت في المصاحف وكتب السنة وكتب التفسير . وقال الفيروز أبادي في بصائر ذوي التمييز : إنها تسمى أيضا سورة السلسلة لقوله { ثم في سلسلة } وسماها الجعبري في منظومته في ترتيب نزول السور الواعية ولعله أخذه من وقوع قوله { وتعيها أذن واعية } ولم أر سلفا في هذه التسمية .
ووجه تسميتها « سورة الحاقة » وقوع هذه الكلمة في أولها ولم تقع في غيرها من سور القرآن .
وهي مكية بالاتفاق . ومقتضى الخبر المذكور عن عمر بن الخطاب أنها نزلت في السنة الخامسة قبل الهجرة فإن عمر أسلم بعد هجرة المهاجرين إلى الحبشة وكانت الهجرة إلى الحبشة سنة خمس قبل الهجرة إلى المدينة .
وقد عدت هذه السورة السابعة والسبعين في عداد ترتيب النزول . نزلت بعد سورة تبارك وقبل سورة المعارج .
وانفق العادون من أهل الأمصار على عد آيها إحدى وخمسين آية .
اشتملت هذه السورة على تهويل يوم القيامة . وتهديد المكذبين بوقوعه .
وتذكيرهم بما حل بالأمم التي كذبت به من عذاب في الدنيا ثم عذاب الآخرة وتهديد المكذبين برسل الله تعالى بالأمم التي أشركت وكذبت .
وأدمج في ذلك أن الله نجى المؤمنين من العذاب ، وفي ذلك تذكير بنعمة الله على البشر إذ أبقى نوعهم بالإنجاء من الطوفان .
ووصف أهوال من الجزاء وتفاوت الناس يومئذ فيه ، ووصف فظاعة حال العقاب على الكفر وعلى نبذ شريعة الإسلام ، والتنويه بالقرآن .
وتنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أن يكون غير رسول .
وتنزيه الله تعالى عن أن يقر من يتقول عليه .
{ الحاقة } صيغة فاعِل من : حقّ الشِيء إذا ثبت وقوعه ، والهاء فيها لا تخلو عن أن تكون هاء تأنيث فتكون { الحاقة } وصفاً لموصوف مقدر مؤنث اللفظ ، أو أن تكون هاء مصدر على وزن فاعلة مثل الكاذبة للكذب ، والخاتمة للختم ، والباقية للبقاء والطاغية للطغيان ، والنافلة ، والخاطئة ، وأصلها تاء المرة ، ولكنها لما أريد المصدر قُطع النظر عن المرة مثل كثير من المصادر التي على وزن فَعْلة غير مراد به المرة مثل قولهم ضَربة لاَزِب . فالحاقة إذْن بمعنى الحق كما يقال « مِن حاقِّ كذا » ، أي من حقه .
وعلى الوجهين فيجوز أن يكون المراد بالحاقّة المعنى الوصفي ، أي حادثة تحق أو حَقٌّ يحق .
ويجوز أن يكون المراد بها لَقباً ليوم القيامة ، وروي ذلك عن ابن عباس وأصحابه وهو الذي درج عليه المفسرون فلقب بذلك « يوم القيامة » لأنه يوم محقق وقوعُه ، كما قال تعالى : { وتنذِر يوم الجمع لا ريب فيه } [ الشورى : 7 ] ، أو لأنه تحق فيه الحقوق ولا يضاع الجزاء عليها ، قال تعالى { ولا تُظلمون فتيلاً } [ النساء : 49 ] وقال : { فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يَره } [ الزلزلة : 78 ] .
وإيثار هذه المادة وهذه الصيغة يسمح باندراج معان صالحة بهذا المقام فيكون ذلك من الإِيجاز البديع لتذهب نفوس السامعين كل مذهب ممكن من مذاهب الهول والتخويف بما يحق حلوله بهم .
فيجوز أيضاً أن تكون { الحاقة } وصفاً لموصوف محذوف تقديره : الساعة الحاقة ، أو الواقعة الحاقة ، فيكون تهديداً بيوم أو وقعة يكون فيها عقاب شديد للمعرَّض بهم مثل يوم بدر أو وقعتِه وأن ذلك حق لا ريب في وقوعه ؛ أو وصفاً للكلمة ، أي كلمة الله التي حقت على المشركين من أهل مكة ، قال تعالى : { كذلك حَقَّت كلمات ربّك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار } [ غافر : 6 ] ، أو التي حقّت للنبيء صلى الله عليه وسلم أنه ينصره الله ، قال تعالى : { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إِنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتولّ عنهم حتى حين } [ الصافات : 171174 ] .
ويجوز أن تكون مصدراً بمعنى الحق ، فيصح أن يكون وصفاً ليوم القيامة بأنه حق كقوله تعالى : { واقترب الوعد الحق } [ الأنبياء : 97 ] ، أو وصفاً للقرآن كقوله : { إن هذا لهو القصص الحق } [ آل عمران : 62 ] ، أو أريد به الحق كله مما جاء به القرآن من الحق قال تعالى : { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } [ الجاثية : 29 ] وقال : { إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق } [ الأحقاف : 30 ] .
وافتتاح السورة بهذا اللفظ ترويع للمشركين .
و { الحاقّة } مبتدأ و { مَا } مبتدأ ثان . و { الحاقّة } المذكورة ثانياً خبر المبتدأ الثاني والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.