يذكر تعالى عن الملائكة أنهم أمروه أن يَسري بأهله بعد مضي جانب من الليل ، وأن يكون لوط ، عليه السلام ، يمشي وراءهم ، ليكون أحفظ لهم .
وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في الغَزاة بما كان يكون{[16201]} ساقة ، يُزجي الضعيف ، ويحمل المنقطع{[16202]}
وقوله : { وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ } أي : إذا سمعتم الصيحة بالقوم فلا تلتفتوا إليهم ، وذروهم فيما حل بهم من العذاب والنكال { وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } كأنه كان معهم من يهديهم السبيل .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَآتَيْنَاكَ بِالْحَقّ وَإِنّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ اللّيْلِ وَاتّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قالت الرسل للوط : وجئناك بالحقّ اليقين من عند الله ، وذلك الحقّ هو العذاب الذي عذّب الله به قوم لوط . وقد ذكرت خبرهم وقصصهم في سورة هود وغيرها حين بعث الله رسله ليعذّبهم به ، وقولهم : وإنّا لَصَادِقُونَ يقولون : إنا لصادقون فيما أخبرناك به يا لوط من أن الله مُهْلِك قومك . فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ الليْلِ يقول تعالى ذكره مخبرا عن رسله أنهم قالوا للوط : فأسر بأهلك ببقية من الليل ، واتبع يا لوط أدبار أهلك الذين تسري بهم وكن من ورائهم ، وسر خلفهم وهم أمامك ، ولا يلتفت منكم وراءه أحد ، وامضوا حيث يأمركم الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلا يلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ لا يلتفت وراءه أحد ، ولا يَعَرّج .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلا يلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ : لا ينظر وراءه أحد .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَاتّبِعْ أدْبارَهُمْ قال : أُمر أن يكون خلف أهله ، يتبع أدبارهم في آخرهم إذا مشوا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ الليْلِ قال : بعض الليل . وَاتّبِعْ أدْبارَهُمْ : أدبار أهله .
وقرأت فرقة «فاسر » بوصل الألف ، وقرأت فرقة «فأسر » بقطع الألف ، يقال سرى وأسرى بمعنى ، إذا سار ليلاً ، وقال النابغة : [ البسيط ]
أسرت عليه من الجوزاء سارية{[7198]} . . . فجمع بين اللغتين{[3]} في بيت ، وقرأ اليماني «فيسر بأهلك » ، وهذا الأمر بالسرى هو عند الله تعالى ، أي يقال لك ، و «القطع » الجزء من الليل ، وقرأت فرقة «بقطَع » بفتح الطاء حكاه منذر بن سعيد .
وقوله : { واتبع أدبارهم } أي كن خلفهم وفي ساقتهم حتى لا يبقى منهم أحد ولا يتلوى ، و { حيث } في مشهورها ظرف مكان ، وقالت فرقة أمر لوط أن يسير إلى زغر{[7199]} ، وقيل : إلى موضع نجاة غير معروف عندنا ، وقالت فرقة : { حيث } قد تكون ظرف زمان ، وأنشد أبو علي في هذا بيت طرفة : [ المديد ]
للفتى عقل يعيش به . . . حيث تهدي ساقه قدمه{[7199]}
كأنه قال مدة مشيه وتنقله ، وهذه الآية من حيث أمر أن يسري { بقطع من الليل } ثم قيل له «حيث تؤمر » . ونحن لا نجد في الآية أمراً له لا في قوله { بقطع من الليل } أمكن أن تكون { حيث } ظرف زمان ، و { يلتفت } مأخوذ من الالتفات الذي هو نظر العين ، قال مجاهد : المعنى لا ينظر أحد وراءه .
قال القاضي أبو محمد : ونهوا عن النظر مخافة العقلنة وتعلق النفس بمن خلف ، وقيل بل لئلا تتفطر قلوبهم من معاينة ما جرى على القرية في رفعها وطرحها . وقيل { يلتفت } معناه يتلوى من قولك لفت الأمر إذا لويته ، ومنه قولهم للعصيدة لفيتة لأنها تلوى ، بعضها على بعض{[7198]} .