وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } أي : إن آثار هذه النقم ظاهرة{[16212]} على تلك البلاد لمن تأمل ذلك وتوسَّمه بعين بصره وبصيرته ، كما قال مجاهد في قوله : { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قال : المتفرسين .
وعن ابن عباس ، والضحاك : للناظرين . وقال قتادة : للمعتبرين . وقال مالك عن بعض أهل المدينة : { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } للمتأملين .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا محمد بن كثير العَبْدي ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتقوا فِرَاسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله " . ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ }
رواه الترمذي ، وابن جرير ، من حديث عمرو بن قيس الملائي{[16213]} وقال الترمذي : لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وقال ابن جرير أيضًا : حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، حدثنا الحسن بن محمد ، حدثنا الفرات بن السائب ، حدثنا ميمون بن مِهْران ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا فِرَاسَة المؤمن ؛ فإن المؤمن ينظر{[16214]} بنور الله " {[16215]}
وقال ابن جرير : حدثني أبو شرحبيل الحِمْصِيّ ، حدثنا سليمان بن سلمة ، حدثنا المُؤَمَّل بن سعيد بن يوسف الرحبي ، حدثنا أبو المعلى أسد بن وداعة الطائي ، حدثنا وهب بن مُنَبِّه ، عن طاوس بن كَيْسَان ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احذروا فراسة المؤمن ؛ فإنه ينظر بنور الله وينطق بتوفيق الله " {[16216]}
وقال أيضًا : حدثنا عبد الأعلى بن واصل ، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، حدثنا عبد الواحد بن واصل ، حدثنا أبو بشر المزلق ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال : قال النبي{[16217]} صلى الله عليه وسلم : " إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم " {[16218]}
ورواه الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا سهل بن بحر ، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، حدثنا أبو بشر - يقال له : ابن المزلق ، قال : وكان ثقة - عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم " {[16219]}
وقوله : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ يقول : إن في الذي فعلنا بقوم لوط من إهلاكهم وأحللنا بهم من العذاب لَعَلامات ودلالات للمتفرّسين المعتبرين بعلامات الله ، وعبره على عواقب أمور أهل معاصيه والكفر به . وإنما يعني تعالى ذكره بذلك قوم نبي الله صلى الله عليه وسلم من قريش يقول : فلِقومك يا محمد في قوم لوط ، وما حلّ بهم من عذاب الله حين كذّبوا رسولهم وتمادوا في غيهم وضلالهم ، مُعْتَبَرٌ .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : للْمُتَوَسّمِينَ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الأعلى بن واصل قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، قال : حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن قيس ، عن مجاهد ، في قوله : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ قال : للمتفرّسين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عبد الملك وحدثنا الحسن الزعفراني ، قال : ثني محمد بن عبيد ، قال : ثني عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ قال للمتفرّسين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا شبل جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : المتوسمين : المتفرسين . قال : توسّمت فيك الخير نافلة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن قيس ، عن مجاهد : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ قال : المتفرّسين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ يقول : للناظرين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن جويبر ، عن الضحاك : للْمُتَوَسّمِينَ قال للناظرين .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ : أي للمعتبرين .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : للمُتَوَسّمينَ قال : للمعتبرين .
حدثني محمد بن عُمارة ، قال : ثني حسن بن مالك ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن عمرو بن قيس ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اتّقُوا فِرَاسَةَ المُومِنِ فإنّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللّهِ » . ثم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ » .
حدثنا أحمد بن محمد الطّوسى ، قال : حدثنا محمد بن كثير مولى بني هاشم ، قال : حدثنا عمرو بن قيس المَلاَئي ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثله .
حدثني أحمد بن محمدالطوسى ، قال : حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا الفُرات بن السائب ، قال : حدثنا ميمون بن مهران ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اتّقُوا فِرَاسَةَ المُوءْمِنِ فإنّ المُوءْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اللّهِ » .
حدثنا عبد الأعلى بن واصل ، قال : ثني سعيد بن محمد الجَرْميّ ، قال : حدثنا عبد الواحد بن واصل ، قال : حدثنا أبو بشر المزلق ، عن ثابت البُنَانيّ ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنّ لله عِبادا يَعْرفُونَ النّاسَ بالتّوَسّمِ » .
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ في ذلكَ لاَياتٍ للْمُتَوَسّمِينَ قال : المتفكرون والمعتبرون الذين يتوسمون الأشياء ، ويتفكرون فيها ويعتبرون . .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : للْمُتَوَسّمِينَ يقول : للناظرين .
حدثني أبو شرحبيل الحِمْصِيّ ، قال : حدثنا سليمان بن سلمة ، قال : حدثنا المؤمل بن سعيد بن يوسف الرحبيّ ، قال : حدثنا أبو المعلّى أسد بن وداعة الطائي ، قال : حدثنا وهب بن منبه ، عن طاوس بن كيسان ، عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «احْذَرُوا فِرَاسَةَ المُوءْمِنِ فإنّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللّهِ وَيَنْطِقُ بِتَوْفِيقِ اللّهِ » .
و «المتوسمون » قال مجاهد المتفرسون ، وقال الضحاك الناظرون ، وقال قتادة المعتبرون ، وقيل غير هذا مما هو قريب منه ، وهذا كله تفسير بالمعنى ، وأما تفسير اللفظة فإن المعاني التي تكون في الإنسان وغيره من خير أو شر يلوح عليه وسم عن تلك المعاني ، كالسكون والدماثة واقتصاد الهيئة التي تكون عن الخير ونحو هذا ، فالمتوسم هو الذي ينظر في وسم المعنى فيستدل به على المعنى ، وكأن معصية هؤلاء أبقت من العذاب والإهلاك وسماً ، فمن رأى الوسم استدل على المعصية به واقتاده النظر إلى تجنب المعاصي لئلا ينزل به ما نزل بهم ، ومن الشعر في هذه اللفظة قول الشاعر : [ الطويل ]
توسمته لما رأيت مهابة . . . عليه وقلت المرء من آل هاشم{[1]}
فظللت فيها واقفاً أتوسم{[2]} . . . وقال آخر :
إني توسمت فيك الخير نافلة{[3]} . . .
جملة { إن في ذلك لأيات للمتوسمين } : تذييل . والآيات : الأدلّة ، أي دلائل على حقائق من الهداية وضدّها ، وعلى تعرُّض المكذبين رُسلهم لعقاب شديد .
والإشارة { في ذلك } إلى جميع ما تضمّنته القصة المبدوءة بقوله تعالى : { ونبئهم عن ضيف إبراهيم } [ سورة الحجر : 51 ] . ففيها من الآيات آية نزول الملائكة في بيت إبراهيم عليه السلام كرامة له ، وبشارته بغلام عليم ، وإعلام الله إيّاه بما سيحلّ بقوم لوط كرامة لإبراهيم عليهما السلام ، ونصر الله لوطاً بالملائكة ، وإنجاء لوط عليه السلام وآله ، وإهلاك قومه وامرأته لمناصرتها إيّاهم ، وآية عماية أهل الضلالة عن دلائل الإنابة ، وآية غضب الله على المسترسلين في عصيان الرّسل .
وتقدم الكلام على لفظ آية عند قوله تعالى : { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا } في سورة البقرة ( 39 ) . وقوله : { وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه } في سورة الأنعام ( 37 ) .
والمتوسّمون أصحاب التوسم وهو التأمّل في السّمة ، أي العلامة الدّالة على المعلّم ، والمراد للمتأملين في الأسباب وعواقبها وأولئك هم المؤمنون . وهو تعريض بالّذين لم تردَعْهم العبر بأنهم دون مرتبة النظر تعريضاً بالمشركين الذين لم يتّعظوا ؛ بأن يحلّ بهم ما حلّ بالأمم من قبلهم التي عرفوا أخبارها ورأوا آثارها .