{ إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي فيما ذكر من القصة { لاَيَاتٍ } لعلامات يستدل بها على حقيقة الحق { لِلْمُتَوَسّمِينَ } قال ابن عباس : للناظرين ، وقال جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما : للمتفرسين ، وقال مجاهد : للمعتبرين ، وقيل غير ذلك وهي معان متقاربة . وفي البحر التوسم تفعل من الوسم وهو العلامة التي يستدل بها على مطلوب ، وقال ثعلب : التوسم النظر من القرن إلى القدم واستقصاء وجوه التعريف ، قال الشاعر :
أو كلما وردت عكاظ قبيلة . . . بعثوا إلى عريفهم يتوسم
وذكر أن أصله التثبت والتفكر مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة محماة في جلد البعير أو غيره ، ويقال : توسمت فيه خيراً أي ظهرت علاماته لي منه ، قال عبد الله بن رواحة في رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إني توسمت فيك الخير أعرفه . . . والله يعلم أني ثابت البصر
والجار والمجرور في موضع الصفة { لاَيَاتٍ } أو متعلق به ، وهذه الآية على ما قال الجلال السيوطي أصل في الفراسة ، فقد أخرج الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعاً «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى » ثم قرأ الآية وكان بعض المالكية يحكم بالفراسة في الأحكام جرياً على طريق إياس بن معاوية .
( ومن باب الإشارة ) :{ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيات لِلْمُتَوَسّمِينَ } [ الحجر : 75 ] أي المتفرسين ، وذكروا أن للفراسة مراتب فبعضها يحصل بعين الظاهر ، وبعضها ما يدركه آذان العارفين مما ينطق به الحق بألسنة الخلق ، وبعضها ما يبدو في صورة المتفرس من أشكال تصرف الحق سبحانه وانطاقه وجوده له حتى ينطق جميع شعرات بدنه بألسنة مختلفة فيرى ويسمع من ظاهر نفسه ما يدل على وقوع الأمور الغيبية ، وبعضها ما يحصل بحواس الباطن حيث وجدت بلطفها أوائل المغيبات باللائحة ، وبعضها ما يحصل من النفس الأمارة بما يبدو فيها من التمني والاهتزاز وذلك سر محبته فإن الله تعالى إذا أراد فتح باب الغيب ألقى في النفس آثار بواديه إما محبوبة فتتمنى وإما مكروهة فتنفر فتفزع ولا يعرف ذلك إلا رباني الصفة ، وبعضها ما يحصل للقلب إما بالإلهام وإما بالكشف ، وبعضها ما يحصل للعقل وذلك ما يقع من أثقال الوحي الغيبي عليه ، وبعضها ما يحصل للروح بالواسطة وغير الواسطة ، وبعضها ما يحصل لعين السر وسمعه ؛ وبعضها ما يحصل في سر السر ظهور عرائس أقدار الغيبة ملتبسات بأشكال إلهية ربانية روحانية فيبصر تصرف الذات في الصفات ويسمع الصفات بوصف الحديث والخطاب من الذات بلا واسطة وهناك منتهى الكشف والفراسة .
وسئل الجنيل رضي الله تعالى عنه عن الفراسة فقال : آيات ربانية تظهر في أسرار العارفين فتنطق ألسنتهم بذلك فتصادف الحق ، ولهم في ذلك عبارات أخر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.