المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

56- ثم أيقظناكم من غشيتكم وهمودكم ، وعلمناكم لكي تشكروا نعمتنا في ذلك ، وتؤيدوا حق الله عن طريق هذا الشكر .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

قوله تعالى : { ثم بعثناكم } . أحييناكم ، والبعث : إثارة الشيء عن محله يقال : بعثت البعير وبعثت النائم فانبعث .

قوله تعالى : { من بعد موتكم } . قال قتادة : أحياهم ليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم ولو ماتوا بآجالهم لم يبعثوا إلى يوم القيامة .

قوله تعالى : { لعلكم تشكرون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

فأوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل ، ثم إن الله أحياهم فقاموا وعاشوا{[1757]} رجلٌ رجلٌ ، ينظر{[1758]} بعضهم إلى بعض : كيف يحيون ؟ قال : فذلك قوله تعالى : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

وقال الربيع بن أنس : كان موتهم عقوبة لهم ، فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم . وكذا قال قتادة .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، قال : لما رجع موسى إلى قومه فرأى ما هم عليه من عبادة العجل ، وقال لأخيه وللسامري ما قال ، وحَرّق العجل وذَرّاه في اليم ، اختار موسى منهم سبعين{[1759]} رجلا الخَيِّرَ فالخير ، وقال : انطلقوا إلى الله وتوبوا إلى الله مما صنعتم وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم ، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم . فخرج بهم إلى طور سيناء{[1760]} لميقات وقَّتَه له ربه ، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعِلْم ، فقال له السبعون ، فيما ذكر لي ، حين صنعوا ما أمروا به وخرجوا للقاء الله ، قالوا : يا موسى ، اطلب لنا إلى ربك نسمع كلام ربنا ، فقال : أفعل . فلما دنا موسى من الجبل ، وقع عليه الغمام حتى تغشى الجبل كله ، ودنا موسى فدخل فيه ، وقال للقوم : ادنوا . وكان موسى إذا كلمه الله{[1761]} وقع على جبهته نور ساطع ، لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه ، فضرب دونه{[1762]} بالحجاب ، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا{[1763]} فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه : افعل ولا تفعل . فلما فرغ إليه من أمره انكشف عن موسى الغمام ، فأقبل إليهم ، فقالوا لموسى : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } فأخذتهم الرجفة{[1764]} ، وهي الصاعقة ، فماتوا جميعًا . وقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ، ويقول : { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ [ وَإِيَّايَ ] {[1765]} } [ الأعراف : 155 ] قد سفهوا ، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما يفعل السفهاء منا ؟ أي : إن هذا لهم هلاك . اخترتُ منهم سبعين رجلا الخَيِّر فالخير ، أرجع إليهم وليس معي منهم رجل واحد ! فما الذي يصدقوني به ويأمنوني عليه بعد هذا ؟ { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } [ الأعراف : 156 ] فلم يزل موسى يناشد ربه عز وجل ، ويطلب إليه حتى ردّ إليهم أرواحهم ، وطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل ، فقال : لا ؛ إلا أن يقتلوا أنفسهم{[1766]} .

هذا سياق محمد بن إسحاق .

وقال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير : لما تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل وتاب الله عليهم بقتل بعضهم بعضا كما أمرهم به ، أمر الله موسى أن يأتيه في كل أناس من بني إسرائيل ، يعتذرون إليه من عبادة العجل ، ووعدهم موسى ، فاختار موسى قومه سبعين رجلا على عَينه ، ثم ذهب بهم ليعتذروا . وساق البقية .

[ وهذا السياق يقتضي أن الخطاب توجه إلى بني إسرائيل في قوله : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } والمراد السبعون المختارون منهم .

ولم يحك كثير من المفسرين سواه ، وقد أغرب فخر الدين الرازي في تفسيره حين حكى في قصة هؤلاء السبعين : أنهم بعد إحيائهم قالوا : يا موسى ، إنك لا تطلب من الله شيئا إلا أعطاك ، فادعه أن يجعلنا أنبياء ، فدعا بذلك فأجاب الله دعوته ، وهذا غريب جدا ، إذ لا يعرف في زمان موسى نبي سوى هارون ثم يوشع بن نون ، وقد غلط أهل الكتاب أيضًا في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله عز وجل ، فإن موسى الكليم ، عليه السلام ، قد سأل ذلك فمنع منه فكيف يناله هؤلاء السبعون ؟

القول الثاني في الآية ]{[1767]} قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير هذه الآية : قال لهم موسى - لما رجع من عند ربه بالألواح ، قد كتب فيها التوراة ، فوجدهم يعبدون العجل ، فأمرهم بقتل أنفسهم ، ففعلوا ، فتاب الله عليهم ، فقال : إن هذه الألواح فيها كتاب الله ، فيه{[1768]} أمركم الذي أمركم به ونهيكم الذي نهاكم عنه . فقالوا : ومن يأخذه بقولك أنت ؟ لا والله حتى نرى الله جهرة ، حتى يطلع الله علينا فيقول : هذا كتابي فخذوه ، فما له لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى ! وقرأ قول الله : { لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } قال : فجاءت غضبة من الله ، فجاءتهم صاعقة بعد التوبة ، فصعقتهم فماتوا أجمعون . قال : ثم أحياهم الله من بعد موتهم ، وقرأ قول الله : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فقال لهم موسى : خذوا كتاب الله . فقالوا : لا فقال : أي شيء أصابكم ؟ فقالوا : أصابنا أنا متنا ثم حَيِينا . قال{[1769]} : خذوا كتاب الله . قالوا : لا . فبعث الله ملائكة فنتقت الجبل فوقهم .

[ وهذا السياق يدل على أنهم كلفوا بعد ما أحيوا . وقد حكى الماوردي في ذلك قولين : أحدهما : أنه سقط التكليف عنهم لمعاينتهم الأمر جهرة حتى صاروا مضطرين إلى التصديق ، والثاني : أنهم مكلفون لئلا يخلو عاقل من تكليف ، قال القرطبي : وهذا هو الصحيح لأن معاينتهم للأمور الفظيعة لا تمنع تكليفهم ؛ لأن بني إسرائيل قد شاهدوا أمورًا عظامًا من خوارق العادات ، وهم في ذلك مكلفون وهذا واضح ، والله أعلم ]{[1770]} .


[1757]:في جـ، ط، ب: "وعاش".
[1758]:في جـ، ط، ب: "فنظر".
[1759]:في جـ: "سبعون" وهو خطأ.
[1760]:في جـ: "الطور سينين".
[1761]:في جـ: "كلمه ربه".
[1762]:في جـ: "دونهما".
[1763]:في جـ: "سجدا".
[1764]:في ط: "الصاعقة".
[1765]:زيادة من جـ، ط، أ، و.
[1766]:تفسير الطبري (2/77).
[1767]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1768]:في جـ: "فيها كتاب الله الذي".
[1769]:في جـ: "فقال".
[1770]:زيادة من جـ، ط، أ، و.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ ثُمّ بَعَثْنَاكُم مّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }

يعني بقوله : ثُمّ بَعَثْنَاكُمْ ثم أحييناكم . وأصل البعث : إثارة الشيء من محله ، ومنه قيل : بعث فلان راحلته : إذا أثارها من مبركها للسير ، كما قال الشاعر :

فأبْعَثُها وهِيّ صَنيعُ حَوْلٍ *** حول كركنِ الرّعْنِ ذِعْلِبَةً وَقَاحَا

والرعن : منقطع أنف الجبل ، والذعلبة : الخفيفة ، والوقاح ، الشديدة الحافر أو الخفّ . ومن ذلك قيل : بعثت فلانا لحاجتي : إذا أقمته من مكانه الذي هو فيه للتوجه فيها . ومن ذلك قيل ليوم القيامة : يوم البعث ، لأنه يوم يثار الناس فيه من قبورهم لموقف الحساب .

ويعني بقوله : مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ من بعد موتكم بالصاعقة التي أهلكتكم .

وقوله : لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول : فعلنا بكم ذلك لتشكروني على ما أوليتكم من نعمتي عليكم بإحيائي إياكم استبقاء مني لكم لتراجعوا التوبة من عظيم ذنبكم بعد إحلالي العقوبة بكم بالصاعقة التي أحللتها بكم ، فأماتتكم بعظيم خطئكم الذي كان منكم فيما بينكم وبين ربكم . وهذا القول على تأويل من تأوّل قوله قول ثُمّ بَعَثْنَاكُمْ ثم أحييناكم .

وقال آخرون : معنى قوله : ثُمّ بَعَثْنَاكُمْ أي بعثناكم أنبياء .

حدثني بذلك موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي .

قال أبو جعفر : وتأويل الكلام على ما تأوله السدي : فأخذتكم الصاعقة ، ثم أحييناكم من بعد موتكم ، وأنتم تنظرون إلى إحيائنا إياكم من بعد موتكم ، ثم بعثناكم أنبياء لعلكم تشركون . وزعم السدي أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير ، والمؤخر الذي معناه التقديم .

حدثنا بذلك موسى ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي . وهذا تأويل يدل ظاهر التلاوة على خلافه مع إجماع أهل التأويل على تخطئته . والواجب على تأويل السدي الذي حكيناه عنه أن يكون معنى قوله : لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ تشكروني على تصييري إياكم أنبياء .

وكان سبب قيلهم لموسى ما أخبر الله جل وعزّ عنهم أنهم قالوا له من قولهم : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً ، ما :

حدثنا به محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، قال : لما رجع موسى إلى قومه ، ورأى ما هم فيه من عبادة العجل ، وقال لأخيه وللسامري ما قال ، وحرّق العجل وذراه في اليم اختار موسى منهم سبعين رجلاً الخيّر فالخيرُ ، وقال : انطلقوا إلى الله عزّ وجل ، فتوبوا إليه مما صنعتم وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم ، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه ، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم . فقال له السبعون فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمرهم به وخرجوا للقاء الله : يا موسى اطلب لنا إلى ربك لنسمع كلام ربنا فقال : أفعل . فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه الغمام حتى تغشى الجبل كله ، ودنا موسى فدخل فيه ، وقال للقوم : ادنوا . وكان موسى إذا كلمه ربه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه ، فضرب دونه الحجاب . ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا ، فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه : افعل ولا تفعل . فلما فرغ من أمره وانكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا لموسى : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فأخَذَتْهُمْ الرّجْفَةُ وهي الصاعقة فماتوا جميعا . وقام موسى يناشد ربه ويدعوه ، ويرغب إليه ويقول : ربّ لوْ شئتَ أهلكتهمْ مِن قبلُ وإيّايَ قد سفهوا ، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما تفعل السفهاء منا ؟ أي أن هذا لهم هلاك ، اخترت منهم سبعين رجلاً ، الخيّر فالخيّر ارجع إليهم ، وليس معي منهم رجل واحد ، فما الذي يصدّقوني به أو يأمنوني عليه بعد هذا ؟ إنّا هُدنا إليكَ . فلم يزل موسى يناشد ربه عز وجل ويطلب إليه ، حتى ردّ إليهم أرواحهم ، فطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل ، فقال : لا ، إلا أن يقتلوا أنفسهم .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي : لما تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل ، وتاب الله عليهم بقتل بعضهم بعضا كما أمرهم به ، أمر الله تعالى موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ، ووعدهم موعدا ، فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً على عينه ، ثم ذهب بهم ليعتذروا . فلما أتوا ذلك المكان قالوُا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فإنك قد كلمته فأرناه . فأخذتهم الصاعقة فماتوا ، فقام موسى يبكي ، ويدعو الله ويقول : ربّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم رَبّ لو شِئْتَ أهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإيّايَ أتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السّفَهاءُ مِنّا . فأوحى الله إلى موسى إن هؤلاء السبعين ممن اتخذ العجل ، فذلك حين يقول موسى : إنْ هِيَ إلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلّ بِها مَنْ تَشاءُ وتَهْدِي مَنْ تَشاءُ . . . إنّا هُدْنا إلَيْكَ وذلك قوله : وَإذْ قُلْتُمْ يا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأخَذَتْكُمْ الصّاعِقَةُ . ثُم إن الله جل ثناؤه أحياهم ، فقاموا وعاشوا رجلاً رجلاً ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون ، فقالوا : يا موسى أنت تدعو الله فلا تسأله شيئا إلا أعطاك ، فادعه يجعلنا أنبياء فدعا الله تعالى ، فجعلهم أنبياء ، فذلك قوله : ثُمّ بَعَثْنَاكُمْ منْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ ولكنه قدّم حرفا وأخر حرفا .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال لهم موسى لما رجع من عند ربه بالألواح ، قد كتب فيها التوراة فوجدهم يعبدون العجل ، فأمرهم بقتل أنفسهم ، ففعلوا ، فتاب الله عليهم ، فقال : إن هذه الألواح فيها كتاب الله فيه أمره الذي أمركم به ، ونهيه الذي نهاكم عنه . فقالوا : ومن يأخذه بقولك أنت ؟ لا والله حتى نرى الله جهرة ، حتى يطلع الله علينا فيقول : هذا كتابي فخذوه فماله لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى ؟ فيقول : هذا كتابي فخذوه ؟ وقرأ قول الله تعالى : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً قال : فجاءت غضبة من الله عز وجل ، فجاءتهم صاعقة بعد التوبة ، فصعقتهم فماتوا أجمعون . قال : ثم أحياهم الله من بعد موتهم ، وقرأ قول الله تعالى : ثُمّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ فقال لهم موسى : خذوا كتاب الله فقالوا لا ، فقال : أيّ شيء أصابكم ؟ قالوا : أصابنا أنا متنا ثم حيينا . قال : خذوا كتاب الله قالوا لا . فبعث الله تعالى ملائكة ، فنتقت الجبل فوقهم .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : فأخَذَتْكُمْ الصّاعِقَةُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ قال : أخذتهم الصاعقة ، ثم بعثهم الله تعالى ليكملوا بقية آجالهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : فأخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ قال : هم السبعون الذين اختارهم موسى فساروا معه . قال : فسمعوا كلاما ، فقالوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتى نَرى اللّهَ جَهْرَةً قال : فسمعوا صوتا فصعقوا . يقول : ماتوا . فذلك قوله : ثُمّ بَعَثْنَاكُمْ منْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ فَبُعِثُوا من بعد موتهم لأن موتهم ذاك كان عقوبة لهم ، فبعثوا لبقية آجالهم .

فهذا ما روي في السبب الذي من أجله قالوا لموسى : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً ولا خبر عندنا بصحة شيء مما قاله من ذكرنا قوله في سبب قيلهم ذلك لموسى تقوم به حجة فتسلم لهم . وجائز أن يكون ذلك بعض ما قالوه ، فإذا كان لا خبر بذلك تقوم به حجة ، فالصواب من القول فيه أن يقال : إن الله جل ثناؤه قد أخبر عن قوم موسى أنهم قالوا له : يا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً كما أخبر عنهم أنهم قالوه . وإنما أخبر الله عزّ وجلّ بذلك عنهم الذين خوطبوا بهذه الاَيات توبيخا لهم في كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد قامت حجته على من احتج به عليه ، ولا حاجة لمن انتهت إليه إلى معرفة السبب الداعي لهم إلى قيل ذلك . وقد قال الذين أخبرنا عنهم الأقوال التي ذكرناها ، وجائز أن يكون بعضها حقا كما قال .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

{ ثم بعثناكم من بعد موتكم } بسبب الصاعقة ، وقيد للبعث لأنه قد يكون عن إغماء ، أو نوم كقوله تعالى : { ثم بعثناهم } .

{ لعلكم تشكرون } نعمة البعث ، أو ما كفرتموه لما رأيتم بأس الله بالصاعقة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (56)

وقوله : { ثم بعثناكم من بعد موتكم } إيجاز بديع ، أي فمتم من الصاعقة ثم بعثناكم من بعد موتكم ، وهذا خارق عادة جعله الله معجزة لموسى استجابة لدعائه وشفاعته أو كرامة لهم من بعد تأديبهم إن كان السائلون هم السبعين فإنهم من صالحي بني إسرائيل .

فإن قلت : إذا كان السائلون هم الصالحين فكيف عوقبوا ؟

قلت : قد علمت أن هذا عقاب دنيوي وهو ينال الصالحين ويسمى عند الصوفية بالعتاب وهو لا ينافي الكرامة ، ونظيره أن موسى سأل رؤية ربه فتجلى الله للجبل فجعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك .

فإن قلت : إن الموت يقتضي انحلال التركيب المزاجي فكيف يكون البعث بعده في غير يوم إعادة الخلق ؟ .

قلت : الموت هو وقوف حركة القلب وتعطيل وظائف الدورة الدموية فإذا حصل عن فساد فيها لم تعقبه حياة إلا في يوم إعادة الخلق وهو المعني بقوله تعالى : { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى } [ الدخان : 56 ] وإذا حصل عن حادث قاهر مانع وظائف القلب من عملها كان للجسد حكم الموت في تلك الحالة ، لكنه يقبل الرجوع إن عادت إليه أسباب الحياة بزوال الموانع العارضة ، وقد صار الأطباء اليوم يعتبرون بعض الأحوال التي تعطل عمل القلب اعتبار الموت ويعالجون القلب بأعمال جراحية تعيد إليه حركته . والموت بالصاعقة إذا كان عن اختناق أو قوة ضغط الصوت على القلب قد تعقبه الحياة بوصول هواء صاف جديد ، وقد يطول زمن هذا الموت في العادة ساعات قليلة ولكن هذا الحادث كان خارق عادة فيمكن أن يكون موتهم قد طال يوماً وليلة كما روي في بعض الأخبار ويمكن دون ذلك .