{ إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير . وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور } قال ابن عباس : نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام بما قالوا ، فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد . { فقال الله عز وجل ذكره { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } .
{ 13 - 14 } { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }
هذا إخبار من الله بسعة علمه ، وشمول لطفه فقال : { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ } أي : كلها سواء لديه ، لا يخفى عليه منها خافية ، ف { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أي : بما فيها من النيات ، والإرادات ، فكيف بالأقوال والأفعال ، التي تسمع وترى ؟ !
وهذه الآية السابقة تربط ما قبلها في السياق بما بعدها ، في تقرير علم الله بالسر والجهر ، وهو يتحدى البشر . وهو الذي خلق نفوسهم ، ويعلم مداخلها ومكامنها ، التي أودعها إياها :
وأسروا قولكم أو اجهروا به ، أنه عليم بذات الصدور . ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ? .
أسروا أو اجهروا فهو مكشوف لعلم الله سواء . وهو يعلم ما هو أخفى من الجهر والسر . ( إنه عليم بذات الصدور )التي لم تفارق الصدور ! عليم بها ، فهو الذي خلقها في الصدور ، كما خلق الصدور !
وقوله تعالى : { وأسروا قولكم أو اجهروا به } مخاطبة لجميع الخلق .
قال ابن عباس : سببها أن المشركين قال بعضهم لبعض : أسروا قولكم لا يسمعكم إله محمد ، فالمعنى : أن الأمر سواء عند الله ، لأنه يعلم ماهجس في الصدور دون أن ينطق به ، فكيف إذا ينطق به سراً أو جهراً ، و { ذات الصدور } ، ما فيها ، وهذا كما قال : الذئب مغبوط بذي بطنه{[11215]} ، وقد تقدم تفسيره غير ما مرة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{وأسروا قولكم أو اجهروا به}: وأخفوا قولكم وكلامكم أيها الناس أو أعلنوه وأظهروه.
"إنّهُ عَلِيمٌ بذَاتِ الصّدُورِ ": إنه ذو علم بضمائر الصدور التي لم يُتَكَلّم بها، فكيف بما نطق به وتكلم به، أخفى ذلك أو أعلن، لأن من لم تخف عليه ضمائر الصدور، فغيرها أحرى أن لا يخفي عليه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وأسرّوا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور}: إنه عالم بالأنفس التي فيها الصدور، بما يضمرون فيها، ويودعون، ويكتمون، وبما يخبرون عما أودعوا، ويظهرون. والصدر هو ساحة القلب، سمي صدرا، لأن الآراء تصدر عنها، فهو عالم بالأنفس التي لها الصدور بما يصدر عن آرائهم، وعالم بما يضمر فيها من الأسرار...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ}. خوَّفَهم بِعلْمِه، ونَدَبَهم إلى مراقبته، لأنه يعلم السِّرَّ وأخفى، ويسمع الجَهْرَ والنجوى ....
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ظاهره الأمر بأحد الأمرين: الإسرار والإجهار. ومعناه: لِيَستَوِ عندكم إسراركم وإجهاركم في علم الله بهما، ثم أنه علله ب (إنه عليم بذات الصدور) أي بضمائرها قبل أن تترجم الألسنة عنها، فكيف لا يعلم ما تكلم به.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{وأسروا قولكم}: خطاب لجميع الخلق...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم علل ذلك مؤكداً لأجل ما للناس من استبعاد ذلك بقوله: {إنه} أي ربكم {عليم} أي بالغ العلم {بذات الصدور} أي بحقيقتها وكنهها، وحالها وجبلتها، وما يحدث عنها، سواء كانت قد تخيلته ولم تعبر عنه، أو كان مما لم تتخيله بعد، بدليل ما يخبر به سبحانه وتعالى عنهم مما وقع وهم يخفونه، أو لم يقع بعد ثم يقع كما أخبر به سبحانه...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
وتقديمُ السرِّ على الجهرِ، للإيذانِ بافتضاحِهِم، ووقوعِ ما يحذرونَهُ من أولِ الأمرِ، والمبالغةِ في بيانِ شمولِ علمِهِ المحيطِ لجميعِ المعلوماتِ، كأنَّ علمَهُ تعالَى بما يُسرُّونَهُ أقدرُ منهُ بما يجهرونَ بهِ، مع كونِهِما في الحقيقةِ على السويةِ...، أو لأنَّ مرتبةَ السرِّ متقدمةٌ على مرتبةِ الجهرِ، إذْ مَا من شيءٍ يُجهرُ بهِ، إلا وهُو أو مباديهِ مضمرٌ في القلبِ، يتعلقُ بهِ الأسرارُ غالباً، فتعلقُ علمه تعالَى بحالتِهِ الأُولى متقدمٌ على تعلقِهِ بحالتِهِ الثانيةِ.
وقولُهُ تعالَى: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} تعليلٌ لما قبلَهُ، وتقريرٌ لهُ. وفي صيغةِ الفعيلِ، وتحليةِ الصدورِ بلامِ الاستغراقِ، ووصفِ الضمائرِ بصاحبِيتِها، من الجزالةِ ما لا غايةَ وراءَهُ، كأنَّهُ قيلَ إنه مبالغٌ في الإحاطةِ بمضمراتِ جميعِ الناسِ وأسرارِهِم الخفيةِ المستكنةِ في صدورِهِمْ، بحيثُ لا تكادُ تفارقُها أصلاً، فكيفَ يَخْفى عليهِ ما تُسرُّونَهُ وتجهرونَ بهِ، ويجوزُ أنْ يُرَادَ بذاتِ الصُّدورِ، القلوبُ التي في الصدرِ، والمعنى أنه عليمٌ بالقلوبِ وأحوالِهَا، فلا يَخْفَى عليهِ سرٌّ من أسرارِهَا...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهذه الآية السابقة تربط ما قبلها في السياق بما بعدها، في تقرير علم الله بالسر والجهر، وهو يتحدى البشر. وهو الذي خلق نفوسهم، ويعلم مداخلها ومكامنها، التي أودعها إياها: وأسروا قولكم أو اجهروا به، أنه عليم بذات الصدور. ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟. أسروا أو اجهروا فهو مكشوف لعلم الله سواء. وهو يعلم ما هو أخفى من الجهر والسر. (إنه عليم بذات الصدور) التي لم تفارق الصدور! عليم بها، فهو الذي خلقها في الصدور، كما خلق الصدور!...