فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَسِرُّواْ قَوۡلَكُمۡ أَوِ ٱجۡهَرُواْ بِهِۦٓۖ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (13)

ثم عاد سبحانه إلى خطاب الكفار فقال : { وأسروا قولكم أو اجهروا به } مستأنفة مسوقة لبيان تساوي الأسرار والجهر بالنسبة إلى علم الله سبحانه . والمعنى إن أخفيتم كلامكم أو جهرتم به في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكل ذلك يعلمه الله ، لا تخفى عليه منه خافية . وتقديم السر على الجهر ، للإيذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر ، والمبالغة في بيان شمول علمه ، المحيط بجميع المعلومات ، كان علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يجهرون به ، مع كونها في الحقيقة على السوية .

فإن علمه بمعلومات ، ليس بطريق حصول صورها ، بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى ، أو لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر ، إذ ما من شيء يجهر به إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب يتعلق به الإسرار غالبا ، فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية .

وقوله : { إنه عليم بذات الصدور } تعليل للاستواء المذكور وتقرير له ، وفي صيغة الفعيل ، وتحلية الصدور بلام الاستغراق ، ووصف الضمائر بصاحبيتها ، من الجزالة ما لا غاية وراءه ، كأنه قيل : إنه مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكمنة في صدورهم ، بحيث لا تكاد تفارقها أصلا ، فكيف يخفى عليه ما تسرونه وتجهرون به ، ويجوز أن يراد بذات الصدور ، القلوب التي في الصدور ، والمعنى إنه عليم بالقلوب وأحوالها ، فلا يخفى عليه سر من أسرارها .