روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَأَسِرُّواْ قَوۡلَكُمۡ أَوِ ٱجۡهَرُواْ بِهِۦٓۖ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (13)

وقوله تعالى : { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ } خطاب عام للمكلفين كما في قوله تعالى أولاً { ليبلوكم } [ الملك : 2 ] عطف على مقدر قال في «الكشف » أصل الكلام وللذين كفروا منكم أيها المكلفون المبتلون وللذين يخشون منكم فقطع هذا الثاني جواباً عن السؤال الذي يقطر من بيان حال الكافرين مع أن ذكرهم بالعرض وهو ماذا حال من أحسن عملاً ومن خرج ممحصاً عند الابتلاء فأجيب بقوله تعالى : { إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ } [ الملك : 12 ] الخ فأثبت لهم كمال العلم { إنما يخشى الله من عباده العلماء } [ فاطر : 28 ] وكمال التقوى لقوله تعالى بالغيب وفي هذا القطع ترشيح للمعنى المرموز إليه في قوله تعالى { أيكم أحسن عملاً } [ الملك : 2 ] أي ليبلوكم أيكم المتقي تخصيصاً لهم بأنهم المقصودون ولو عطف لدل على التساوي ثم قيل فاتقوه في السر والعلن ودوموا أنتم أيها الخاشعون على خشيتكم وأنيبوا إلى الخشية والتقوى أيها المغترون واعتقدوا استواء إسراركم وجهركم في علم ربكم فكونوا على حذر واخشوه حق الخشية فقوله تعالى ذلك عطف على هذا المضمر وجوز أن يجعل قوله تعالى : { إِنَّ الذين } الخ استطراداً عقيب ذكر الكفار وجزائهم وقوله سبحانه وأسروا أو اجهروا على سبيل الالتفات إلى { أصحاب السعير } [ الملك : 11 ] لبعد العهد وزيادة الاختصاص عطفاً على قوله تعالى { وللذين كفروا } [ الملك : 6 ] كأنه قيل وللكافرين بربهم عذاب جهنم ثم قيل من صفتها كيت وكيت وإسراركم بالقول وجهركم به أيها الكافرون سيان فلا تفوتوننا جهرتم بالكفر والبغضاء أو أبطنتموهما فهو من تتمة الوعيد ثم قال والأول املأ بالقبول انتهى ويظهر لي بعد الأول ويؤيد الثاني ما روي عن ابن عباس أنه قال نزلت وأسروا الخ في المشركين كانوا ينالون من النبي صلى الله عليه وسلم فيوحى إليه عليه الصلاة والسلام فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم كيلا يسمع رب محمد فقيل لهم أسروا ذلك أو اجهروا به فإن الله تعالى يعلمه وتقديم السر على الجهر للإيذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر والمبالغة في شمول علمه عز وجل المحيط بجميع المعلومات كأن علمه تعالى بما يسرونه أقدم منه بما يجهرون به مع كونهما في الحقيقة على السوية أو لأن مرتبة السر متقدمة على مرتبة الجهر إذ ما من شيء يجهر به إلا وهو أو مباديه مضمر في القلب غالباً فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية وقوله تعالى : { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } تعليل لما قبله وتقرير له وفي صيغة الفعيل وتحلية الصدور بلام الاستغراق ووصف الضمائر بصاحبتها من الجزالة ما لا يخفي كأنه قيل أنه عز وجل مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكنة في صدورهم بحيث لا تكاد تفارقها أصلاً فكيف لا يعلم ما تسرونه وتجهرون به ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التي في الصدور والمعنى أنه تعالى عليم بالقلوب وأحوالها فلا يخفي عليه سر من أسرارها .