ثم استمر تعالى يعدد معايبهم ، انتصارا لقدحهم في عباده المؤمنين ، فقال : { وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ ْ } أي : من اليهود { يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ْ } أي : يحرصون ، ويبادرون المعاصي المتعلقة في حق الخالق والعدوان على المخلوقين .
{ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ْ } الذي هو الحرام . فلم يكتف بمجرد الإخبار أنهم يفعلون ذلك ، حتى أخبر أنهم يسارعون فيه ، وهذا يدل على خبثهم وشرهم ، وأن أنفسهم مجبولة على حب المعاصي والظلم . هذا وهم يدعون لأنفسهم المقامات العالية . { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ْ } وهذا في غاية الذم لهم والقدح فيهم .
ويمضي السياق يرسم حركاتهم كأنها منظورة تشهد وتلحظ من خلال التعبير :
( وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان ، وأكلهم السحت . لبئس ما كانوا يعملون )
والمسارعة مفاعلة تصور القوم كأنما يتسابقون تسابقا في الإثم والعدوان ، وأكل الحرام . وهي صورة ترسم للتبشيع والتشنيع ، ولكنها تصور حالة من حالات النفوس والجماعات حين يستشري فيها الفساد ؛ وتسقط القيم ؛ ويسيطر الشر . . وإن الإنسان لينظر إلى المجتمعات التي انتهت إلى مثل هذه الحال ، فيرى كأنما كل من فيها يتسابقون إلى الشر . . إلى الإثم والعدوان ، قويهم وضعيفهم سواء . . فالإثم والعدوان - في المجتمعات الهابطة الفاسدة - لا يقتصران على الأقوياء ؛ بل يرتكبهما كذلك الضعفاء . . فحتى هؤلاء ينساقون في تيار الإثم . وحتى هؤلاء يملكون الاعتداء ؛ إنهم لا يملكون الاعتداء على الأقوياء طبعا . ولكن يعتدي بعضهم على بعض . ويعتدون على حرمات الله . لأنها هي التي تكون في المجتمعات الفاسدة الحمى المستباح الذي لا حارس له من حاكم ولا محكوم ؛ فالإثم والعدوان طابع المجتمع حين يفسد ؛ والمسارعة فيهما عمل هذه المجتمعات !
وكذلك كان مجتمع يهود في تلك الأيام . . وكذلك أكلهم للحرام . . فأكل الحرام كذلك سمة يهود في كل آن !
والرؤية في قوله : { وترى } بصرية ، أي أنّ حالهم في ذلك بحيث لا يخفى على أحد . والخطاب لكّل من يسمع .
وتقدّم معنى { يسارعون } عند قوله : { لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } [ النساء : 41 ] .
والإثم : المفاسد من قولٍ وعملٍ ، أريد به هنا الكذب ، كما دلّ عليه قوله : { عن قولهم الإثم } . والعدوانُ : الظلم ، والمراد به الاعتداء علي المسلمين إن استطاعوه .
والسحت تقدّم في قوله : { سمّاعون للكذب أكّالون للسحت } [ المائدة : 42 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.