التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَتَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (62)

ثم حكى - سبحانه - لونا آخر من رذائلهم فقال : { وترى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإثم والعدوان وَأَكْلِهِمُ السحت } .

والرؤية في قوله : { وترى } بصرية .

والإِثم : هو كل قول أو عمل لا يرضاه الله - تعالى - .

والعدوان : مجاوزة الحد في الظلم والتعدي . والسحت : هو المال الحرام كالرشوة وغيرها .

أي : وترى - أيها الرسول الكريم أو أيها السامع - كثيرا من هؤلاء اليهود ، يسارعون في ارتكاب الآثام وفي التعدي والظلم وأكل المال الحرام بدون تردد أو تريث . والتعبير بقوله : { وترى } يفيد أن ارتكابهم لهذه المنكرات لم يكن خافيا أو مستوراً ، وإنما هم يرتكبونها مجاهرة وعلانية ، لأن فضيلة الحياء قد نضبت من جوههم .

والمسارعة في الشيء : المبادرة إليه بسرعة وخفة ونشاط ، وأكثر استعمالها في الخير كما قال - تعالى - { أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات } { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات } وقد استعملت هنا في مسارعتهم في الإِثم والعدوان وأكلهم السحت ، للإِشارة إلى أنهم كانوا يقدمون على هذه المنكرات وكأنهم محقون فيها .

والتعدية بحرف { في } تؤذن بأنهم مغمورون في الآثام ؛ وأنهم ينتقلون فيها في حال إلى حال أخرى شر منها ، حتى لكأن السير في طريق الحق والصدق والفضيلة صار غير مألوف عندهم .

وقوله : { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } تذييل قصد به تقبيح أعمالهم التي يأباها الدين والخلق الكريم .

أي : لبئس شيئا كانوا يعملونه هذه المنكرات التي منها مسارعتهم في الإِثم والعدوان وأكلهم السحت .

وهذه الجملة هي حكم من الله - تعالى - عليهم بذم أعمالهم . وقد جمع - سبحانه - في حكمه بين صيغة الماضي { كانوا } وصيغة المضارع { يعملون } للإِشارة إلى أن هذا العمل القبيح كان منهم في الماضي ، وأنهم قد استمروا عليه في حاضرهم ومستقبلهم بدون توبة أو ندم .

وقد أكد - سبحانه - هذا الحكم بالقسم ، وباللام الموطئة للقسم ، وبكلمة بئس الدالة على شدة الذم . أي : أقسم لبئس العمل الذي كان هؤلاء يعملونه من مسارعتهم في الإِثم والعدوان وأكلهم السحت .