اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَتَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (62)

قوله : " وترى " : يجوز أن تكون بصريَّةً ، فيكون " يُسَارِعُونَ " حالاً ، وأن تكون العلميَّةَ أو الظنيَّة ، فينتصب " يُسَارِعُونَ " مفعولاً ثانياً ، و " مِنْهُمْ " في محلِّ نصب ؛ على أنه صفةٌ ل " كَثِيراً " فيتعلَّقُ بمحذوفٍ ، أي : كائناً منهم ، أو استقرَّ منهم ، وقرأ{[12231]} أبو حيوة : " العِدْوان " بالكسر ، و " أكْلِهِمُ " هذا مصدرٌ مضافٌ لفاعله ، و " السُّحْتَ " مفعولُه ، وقد تقدَّمَ ما فيه .

فصل

الضَّميرُ في " مِنْهُمْ " لليهُود ، والمُسَارعة في الشَّيْءِ الشُّرُوعُ فيه ، والمُراد بالإثْمِ الكذِب ، وقيل : المَعَاصِي ، والعُدْوَان الظُّلْم ، وقيل : الإثْمُ ما يخْتَصُّ بهم ، والعُدْوانُ ما يتعدَّاهُمْ إلى غيرهم ، وقيل : الإثْمُ ما كتمُوا من التَّوْراة ، والعُدْوان ما زَادُوا فيها ، " وأكْلِهِمُ السُّحْتَ " الرِّشْوَة{[12232]} .

وقوله تعالى : " كَثِيراً مِنْهُم " لأنَّهمُ كُلُّهُمْ ما كانُوا يَفْعَلُون ذَلِكَ ، لَفْظ المُسارعة إنما [ يُسْتَعْمَلُ ]{[12233]} في أكْثَرِ الأمْر في الخَيْرِ ، قال تعالى : { وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } [ آل عمران : 114 ] وقال تعالى : { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ } [ المؤمنون : 56 ] فكان اللاَّئِقُ بهذا الموضِعِ لفظ العَجَلَةِ .

فإن قيل : إنَّه تعالى ذكر المُسارعة [ لفائدة ؛ وهي أنَّهم ]{[12234]} كانوا يُقْدِمُون على هَذِهِ المُنْكَرَات [ كأنهم مُحِقُّون ]{[12235]} فيها وقد تقدَّم حُكْمُ " مَا " مع بِئْسَ ونِعْمَ .


[12231]:ينظر: المحرر الوجيز 2/214، والبحر المحيط 3/532، والدر المصون 2/565.
[12232]:في أ: الرشاة.
[12233]:سقط في أ.
[12234]:في أ: لأنهم.
[12235]:سقط في أ.