قوله تعالى :{ فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين } ولم يقل : رسولا رب العالمين ، لأنه أراد الرسالة ، أي : أنا ذو رسالة رب العالمين ، كما قال كثير : لقد كذب الواشون ما بحت عندهم *** بسر ولا أرسلتهم برسول
أي : بالرسالة ، وقال أبو عبيدة : يجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع ، تقول العرب : هذا رسولي ووكيلي وهذان وهؤلاء رسولي ووكيلي ، كما قال الله تعالى : { وهم لكم عدو } وقيل : معناه كل واحد منا رسول رب العالمين .
اذهبا ( فأتيا فرعون )فأخبراه بمهمتكما في غير حذر ولا تلجلج : ( فقولا : إنا رسول رب العالمين )وهما اثنان ولكنهما يذهبان في مهمة واحدة برسالة واحدة . فهما رسول . رسول رب العالمين . في وجه فرعون الذي يدعي الألوهية ، ويقول لقومه : ( ما علمت لكم من إله غيري )فهي المواجهة القوية الصريحة بحقيقة التوحيد منذ اللحظة الأولى ، بلا تدرج فيها ولا حذر . فهي حقيقة واحدة لا تحتمل التدرج والمداراة .
وقوله : فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا . . . الاَية ، يقول : فأت أنت يا موسى وأخوك هارون فرعون فَقُولا إنّا رَسُولُ رَبّ العالَمينَ إليك بأنْ أرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ وقال رسول ربّ العالمين ، وهو يخاطب اثنين بقوله فقولا ، لأنه أراد به المصدر من أرسلت ، يقال : أرسلت رسالة ورسولاً ، كما قال الشاعر :
لقَدْ كَذَبَ الوَاشُونَ ما بُحْتُ عِندَهمْ *** بِسُوءٍ وَلا أرْسَلْتُهُمْ بِرَسُول
ألا مَنْ مُبْلِغٌ عَنّي خُفافا *** رَسُولاً بَيْتُ أَهْلِكَ مُنْتَهاها
وقوله تعالى : { إنا رسول رب العالمين } هو على أن العرب أجرت الرسول مجرى المصدر في أن وصفت به الجمع والواحد والمؤنث ، ومن ذلك قول الهذلي :
ألكني إليها وخير الرسو . . . ل أعلمهم بنواحي الخبر{[8913]}
ومنه قول الشاعر : وإن كان مولداً .
إن التي أبصرتها . . . سحراً تكلمني رسول{[8914]}
الرسول : فَعُول بمعنى مُفعَل ، أي مُرسل . والأصل فيه مطابقة موصوفه ، بخلاف فعول بمعنى فاعل فحقه عدم المطابقة سماعاً ، وفعول بمعنى اسم المفعول قليل في كلامهم ومنه : بقرة ذَلول ، وقولهم : صَبُوح ، لما يشرب في الصباح ، وغبوق ، لما يشرب في العشي ، والنَّشوق ، لما ينشق من دواء ونحوه . ولكن رسول يجوز فيه أن يُجرى مجرى المصدر فلا يطابق ما يجري عليه في تأنيث وما عدا الإفراد ، وورد في كلامهم بالوجهين تارة مُلازماً الإفراد والتذكير كما في هذه الآية ، وورد مطابقاً كما في قوله تعالى : { فقولا إنّا رسولا ربك } في سورة [ طَه : 47 ] ، فذهب الجوهري إلى أنه مشترك بين كونه اسماً بمعنى مَفعول وبين كونه اسم مصدر ولم يجعله مصدراً إذ لا يعرف فعول مصدراً لغير الثلاثي ، واحتج بقول الأشْعَر الجعفي :
ألاَ أَبلِغ بني عَمرو رسولاً *** بأني عن فُتاحتِكُم غَنِيُّ
[ الفتاحة : الحكم ] . وتبعه الزمخشري في هذه الآية إذ قال : الرسول يكون بمعنى المرسَل وبمعنى الرسالة فجُعل ثَمَّ ( أي في قوله : { إنا رسولا ربّك } في سورة [ طه : 47 ] ) بمعنى المرْسَل ، وجُعل هنا بمعنى الرسالة .
ألِكْنِي إليها وخير الرسُو *** ل أعلَمُهُم بنواحي الخبر
فهل من ريبة في أن ضمير الرسول في البيت مراد به المرسلون . وتصريح النحاة بأن فَعولاً الذي بمعنى المفعول يجوز إجراؤه على حالة المتّصِففِ به من التذكير والتأنيث فيجوز أن تقول : ناقَة رَكُوبة ورَكُوب ، يقتضي أن التثنية والجمعَ فيه مثل التأنيث . وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في سورة طه وأحلنا تحقيقه على ما هنا .
ومبادأة خطابهما فرعونَ بأن وصفا الله بصفة ربّ العالمين مجابهة لفرعون بأنه مربوب وليس بربّ ، وإثبات ربوبية الله تعالى للعالمين . والنفي يقتضي وحدانية الله تعالى لأن العالمين شامل جميعَ الكائِنات فيشمل معبودات القبط كالشمس وغيرها ، فهذه كلمة جامعة لما يجب اعتقاده يومئذ .