قوله تعالى :{ فقضاهن سبع سماوات في يومين } أي : أتمهن وفرغ من خلقهن ، { وأوحى في كل سماء أمرها } قال عطاء عن ابن عباس : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله . وقال قتادة والسدي : يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها . وقال مقاتل : وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي ، وذلك يوم الخميس والجمعة . { وزينا السماء الدنيا بمصابيح } كواكب ، { وحفظاً } لها ونصب ( حفظاً ) على المصدر ، أي : حفظناها بالكواكب حفظاً من الشياطين الذين يسترقون السمع ، { ذلك } الذي ذكر من صنعه ، { تقدير العزيز } في ملكه ، { العليم } بحفظه .
{ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } فَتَمَّ خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الجمعة ، مع أن قدرة اللّه ومشيئته صالحة لخلق الجميع في لحظة واحدة ، ولكن مع أنه قدير ، فهو حكيم رفيق ، فمن حكمته ورفقه ، أن جعل خلقها في هذه المدة المقدرة .
واعلم أن ظاهر هذه الآية ، مع قوله تعالى في النازعات ، لما ذكر خلق السماوات قال : { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } يظهر منهما التعارض ، مع أن كتاب اللّه ، لا تعارض فيه ولا اختلاف .
والجواب عن ذلك ، ما قاله كثير من السلف ، أن خلق الأرض وصورتها متقدم على خلق السماوات كما هنا ، ودحي الأرض بأن { أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا } متأخر عن خلق السماوات كما في سورة النازعات ، ولهذا قال فيها : { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا } إلى آخره ولم يقل : " والأرض بعد ذلك خلقها "
وقوله : { وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا } أي : الأمر والتدبير اللائق بها ، الذي اقتضته حكمة أحكم الحاكمين .
{ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } هي : النجوم ، يستنار ، بها ، ويهتدى ، وتكون زينة وجمالاً للسماء ظاهرًا ، وجمالاً لها ، باطنًا ، بجعلها رجومًا للشياطين ، لئلا يسترق السمع فيها . { ذَلِكَ } المذكور ، من الأرض وما فيها ، والسماء وما فيها { تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ } الذي عزته ، قهر بها الأشياء ودبرها ، وخلق بها المخلوقات . { الْعَلِيمِ } الذي أحاط علمه بالمخلوقات ، الغائب والشاهد .
( فقضاهن سبع سماوات في يومين ) . . ( وأوحى في كل سماء أمرها ) . .
واليومان قد يكونان هما اللذان تكونت فيهما النجوم من السدم . أو تم فيهما التكوين كما يعلمه الله . والوحي بالأمر في كل سماء يشير إلى إطلاق النواميس العاملة فيها ، على هدى من الله وتوجيه ؛ أما ما هي السماء المقصودة فلا نملك تحديداً . فقد تكون درجة البعد سماء . وقد تكون المجرة الواحدة سماء . وقد تكون المجرات التي على أبعاد متفاوتة سماوات . . وقد يكون غير ذلك . مما تحتمله لفظه سماء وهو كثير .
( وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ) . .
والسماء الدنيا هي كذلك ليس لها مدلول واحد محدد . فقد تكون هي أقرب المجرات إلينا وهي المعروفة بسكة التبان والتي يبلغ قطرها مائة ألف مليون سنة ضوئية ! وقد يكون غيرها مما ينطبق عليه لفظ سماء . وفيه النجوم والكواكب المنيرة لنا كالمصابيح .
( وحفظاً ) . . من الشياطين . . كما يدل على هذا ما ورد في المواضع الأخرى من القرآن . . ولا نملك أن نقول عن الشياطين شيئاً مفصلاً . أكثر من الإشارات السريعة في القرآن . فحسبنا هذا . .
( ذلك تقدير العزيز العليم ) . .
وهل يقدر هذا كله ? ويمسك الوجود كله ، ويدبر الوجود كله . . إلا العزيز القوي القادر ? وإلا العليم الخبير بالموارد والمصادر ?
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.