السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

{ فقضاهن } أي : خلقهن خلقاً إبداعياً { سبع سماوات } وهذا يدل على أن حصول السماء إنما حصل بعد قوله ائتيا طوعاً أو كرهاً .

تنبيه : الضمير للسماء على المعنى كما قال تعالى : { طائعين } ونحوه { أعجاز نخل خاوية } ( الحاقة : 7 ) ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً مفسراً بسبع سماوات ، وسبع سماوات حال على الأول ، وتمييز على الثاني ، وقوله تعالى : { في يومين } قال أهل الأثر : إن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق سائر ما في الأرض يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق السماوات وما فيها في يوم الخميس والجمعة وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق آدم عليه السلام وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة ، ولذلك لم يقل هنا سواء ووافق هذا آيات خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : «أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال : خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين ، وخلق الجبال وما فيهن من المنافع يوم الثلاثاء ، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمعايش والعمران والخراب فهذه أربعة ، وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال حتى يموت من مات ، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به ، وفي الثالثة خلق آدم فأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد ؟ قال : ثم استوى على العرش قالوا : قد أصبت لو أتممت قالوا : ثم استراح ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً فنزل { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسّنا من لغوب ( 38 ) فاصبر على ما يقولون } ( ق : 38 39 ) ، فإن قيل : اليوم عبارة عن النهار والليل وذلك إنما يحصل بطلوع الشمس وغروبها وقبل حدوث السماوات والشمس والقمر كيف يعقل حصول اليوم ؟ .

أجيب : بأن معناه أنه مضى من المدة ما لو حصل هناك فلك وشمس لكان المقدار مقدار اليوم كما مر ، وقضاء الشيء إتمامه والفراغ منه قال ابن جرير : وإنما سمي الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم وخلق السماوات والأرض أي : فرغ من ذلك وأتمه { فأوحى } أي : ألقى بطريق خفي وحكم بثبوت قوي { في كل سماء أمرها } أي : الأمر الذي دبرها ودبر منافعها به على نظام محكم لا يختل وزمام مبرم لا ينحل ، وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله تعالى . وقال السدي : يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها ولله في كل سماء بيت تحج إليه وتطوف به الملائكة كل واحد منها مقابل للكعبة بحيث لو وقعت منه حصاة لوقعت على الكعبة .

ولما عم خص التي تلينا إشارة إلى تشريفنا فقال تعالى صارفاً القول إلى مظهر العظمة تنبيهاً على ما في هذه الآية من العظم { وزينا } أي : بما لنا من العظمة { السماء الدنيا } أي : القربى إليكم لأجلكم { بمصابيح } وهي النيرات التي خلقها الله في السماوات وخص كل واحدة بضوء معين وسير معين وطبيعة معينة لا يعلمها إلا الله تعالى ولا ينافي كون الدنيا مزينة بذلك أن تكون النجوم في غيرها مما هو أعلى منها لأن السياق دل على أنها زينة .

وقوله تعالى : { وحفظاً } في نصبه وجهان ؛ أحدهما : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر أي : وحفظناها بالثواقب من الكواكب حفظاً ، والثاني : أنه مفعول من أجله على المعنى فإن التقدير : وخلقنا الكواكب زينة وحفظاً قال أبو حيان : وهو تكلف وعدول عن السهل البين ، والمعنى : وحفظناها من الشياطين الذين يسترقون السمع بالشهب أو من الآفات { ذلك } أي : الأمر الرفيع والشأن البديع { تقدير العزيز } أي : الذي لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء ، { العليم } أي : المحيط علماً بكل شيء فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة والعليم إشارة إلى كمال العلم .