اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

قوله تعالى : { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } في نصب «سَبْعَ » أربعةُ أوجه :

أحدها : أنه مفعول ثانٍ «لقَضَاهُنَّ » ؛ لأنه ضمّن معنى صيَّرهُنَّ بقضائه سبع سموات{[48615]} .

الثاني : أنه منصوب على الحال من مفعول «فقضاهن » أي قضاهن معدودةً{[48616]} ، وقضى بمعنى «صَنَعَ »{[48617]} كقول أبي ذؤيب :

4355 وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا *** دَاوُدُ أَوْ صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ{[48618]}

أي صنعها .

الثالث : أنه تمييز ؛ قال الزمخشري : ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً مفسَّراً بسبع سمواتٍ على التمييز{[48619]} يعني بقوله «مبهماً » ، أنه لا يعود على السماء ، لا من حيث اللفظ ، ولا من حيث المعنى بخلاف كونه حالاً أو مفعولاً ثانياً .

الرابع : أنه بدل من «هُنَّ » في «فَقَضَاهُنَّ » قاله مكي{[48620]} ، وقال أيضاً : السماء ، تذكَّر وتؤَنَّثُ ، وعلى التأنيث جاء القرآن ، ولو جاء على التذكير لقيل : سَبْعَةَ سمواتٍ{[48621]} . وقد تقدم تحقيق تذكيره وتأنيثه في أوائل البقرة{[48622]} .

فصل

قال أهل الأثر : إن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والإثنين ، وخلق سائر ما في الأرض يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق السموات وما فيها في يوم الخميس والجمعة ، وفرغ في آخر ساعةٍ من يوم الجُمُعةِ فخلق بها آدم ، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة .

فإن : قيل : اليوم عبارة عن النهار والليل ، وذلك إنما يحصل بطُلُوعِ الشَّمس وغروبها ، وقبل حدوث السموات والشمس والقمر كيف يعقل حصول اليوم ؟

فالجواب : معناه أنه مضى من المدة ما لو حصل هناك فلكٌ وشمس لكان المقدار مُقدَّراً بيوم{[48623]} . وقضاء الشيء إتمامه{[48624]} والفرغ منه .

قوله : { وأوحى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا } . قال عطاء عن ابن عباس{[48625]} رضي الله عنهما : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار ، وجبال البرد ، وما لا يعلمه إلا الله تعالى ، وقال قتادة والسُّدِّيُّ : يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها . وقال مقاتل : وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي ، وذلك يوم الخميس والجمعة ، قال السدي : ولله في كل سماء بيت يُحَجُّ إليه ويطوف به الملائكة ، كل واحد منها مقابل للكعبة بحيث لو وقعت منه حصاةٌ لوقعت على الكعبة .

قوله : { وَزَيَّنَّا السماء الدنيا بِمَصَابِيحَ } وهي النيران التي خلقها في السموات ، وخص كل واحد بضوء معين ، وسرٍّ معين وطبيعة معينة لا يعرفها إلا الله تعالى .

قوله : «وَحِفْظاً » في نصبه وجهان :

الأول : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر ، أي : وحفظناها بالثواقب من الكواكب حفظاً{[48626]} .

والثاني : أنه مفعول من أجله على المعنى ؛ فإن التقدير : خلقنا الكواكب زينةً وحِفظاً{[48627]} ، قال أبو حيان «وهو تَكَلُّفٌ وعُدُولٌ عن السَّهْلِ البَيِّن »{[48628]} .

فصل

المعنى وحفظناها من الشياطين الذي يسترقون السمع ، ثم قال : «ذلِكَ » أي الذي ذكر من صُنْعَةِ «العَزِيزِ » في ملكه «العَلِيمِ » بخلقه فالعزيزُ إشارة إلى كمال القدرة ، والعليمُ إشارة إلى كمال العلم{[48629]} .


[48615]:قاله السمين في الدر 4/722.
[48616]:السابق
[48617]:معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/381 و382.
[48618]:من تمام الكامل لأبي ذؤيب كما أخبر. والشاهد: قضاهما بمعنى صنعهما. ومسرودتان صفة لموصوف محذوف أي درعان مسرودتان، والبيت في معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/382 وفتح القدير 4/508 ومجمع البيان 7/596، وشرح المفصل 3/58، 59، والبحر المحيط 7/477 والمعاني الكبير 2/1039 وغريب القرآن 388 وتأويل المشكل 342 واللسان قضى وديوان المفضليات 500 و881 وديوان الهذليين 1/19.
[48619]:الكشاف 3/447.
[48620]:مشكل إعراب القرآن له 2/270.
[48621]:السابق 2/270 و271.
[48622]:يشير إلى قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات} [البقرة: 29].
[48623]:انظر تفسير الإمام الرازي 27/107 والكشاف بإجمال 3/447.
[48624]:اللسان قضى 3665.
[48625]:هذه الأقوال ذكرها العلامة البغوي في "معالم التنزيل" 6/106، وكذلك الخازن في "لباب التأويل" السابق، والقرطبي 15/345 وانظر أيضا الرازي 27/107، والبحر المحيط 7/488.
[48626]:قاله العكبري في التبيان 1024 والأخفش في المعاني 681 والزجاج في معاني القرآن وإعرابه 4/382، والزمخشري في الكشاف 3/447، والسمين في الدر 4/722 ونقله في إعراب القرآن 4/52 والمغني 479.
[48627]:قال بهذا الوجه كسابقه العكبري والكشاف والسمين المراجع السابقة.
[48628]:بالمعنى من البحر فإنه قال: "ولا حاجة إلى هذا التقدير الثاني وتكلفه مع ظهور الأول وسهولته" البحر 7/488.
[48629]:انظر البغوي 6/106.