جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

{ فقضاهن } : خلقهن ، واحكمهن الضمير إلى السماء على المعنى { سبع سماوات } ، حال { في يومين } : يوم الخميس والجمعة ، وهذه الآيات مشعرة بأن خلق الأرض ودحوها مقدم على خلق السماوات{[4408]} ، وهو مخالف لما في سورة النازعات { والأرض بعد ذلك دحاها }[ النازعات : 30 ] ، فلا بد أن نقول أن ثم في { ثم استوى إلى السماء } للتراخي{[4409]} الرتبي لا الزماني ، وسنذكره في سورة النازعات { وأوحى في كل سماء أمرها } قرر ورتب شأنها أي : خلق ما يحتاج إليه من الملك ، وما لا يعلمه إلا الله تعالى { وزينا السماء الدنيا بمصابيح } : الكواكب كلها ظاهرة{[4410]} عليها ، { وحفظا } مصدر لمحذوف أي : وحفظناها في استراق السمع حفظا { ذلك تقدير العزيز العليم }


[4408]:لأن خلق الجبال وجعلها رواسي من فوق الأرض والبركة فيها بخلق المنافع وتقدير الأقوات قبل الدحو بعيد جدا، وإن كان أحد القولين المذكورين وهو قوله: إتيان الأرض أن تصير مدحوة هو ذلك البعيد فتأمل/12 منه.
[4409]:وقال الشوكاني بعد ذكر هذا الإستشكال: إن ثم ليست للتراخي الزماني، بل للتراخي الرتبي، فيندفع الإشكال من أصله، وعلى تقدير إنها للتراخي الزماني فالجمع ممكن، بأن الأرض خلقها متقدم على خلق السماء ودحوها بمعنى بسطها هو أمر زائد على مجرد خلقها فهي متقدمة خلقا متأخرة دحوا وهذا ظاهر انتهى. وفي الوجيز بعد ذكر الإشكال والأولى أن ثم هنا لترتيب الإخبار لا لترتيب الزمان، كأنه قال أخبركم بأنه خلق الأرض وجعل فيها كذا وكذا ثم أخبركم أنه استوى إلى السماء، فلا تعرض في الآية للترتيب، ولما كان خلق السماء أبدع استؤنف الإخبار فيه بثم وهذا كقوله:" ثم كان من الذين آمنوا" بعد قوله: " فلا اقتحم العقبة" [البلد:13-17]، ومن هذا القبيل أيضا "ثم آتينا موسى الكتاب" بعد قوله: " قل تعالوا" الآية [الأنعام:151-154]، ويدل على أن المقصود الإخبار بوقوع هذه الأشياء من غير ترتيب وقوله في الرعد {الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها} الآية ثم قال بعد: {وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي}[2-3] الآية فظاهر هذا رفع السماوات، ثم مد الأرض وظاهر ما في هذه السورة جعل الرواسي قبل خلق السماء، لكن المقصود من الآيتين الإخبار بصدور ذلك منه من غير تعرض لترتيب ما، كأنه لا يندفع الإشكال إلا بهذا/12.
[4410]:إشارة إلى أنه يمكن تصحيح كلام أهل الهيئة أن السيارات في سبع سماوات كما قال تعالى:{كل في فلك يسبحون}[الأنبياء: 33] بأن نقول: لما كانت الكواكب ظاهرة على السماء الدنيا ترى كأنها تلالؤ عليها فيصدق أن سماء الدنيا مزينة بها /12 منه.