المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

7- والله خلق السماوات والأرض وما فيهما في ستة أيام ، ومن قبل ذلك لم يكن الوجود أكثر من عالم الماء ، ومن فوقه عرش الله . وقد خلق الله هذا الكون ليظهر بالاختبار أحوالكم - أيها الناس - ليظهر منكم من يقبل على الله بالطاعة والأعمال الحسنة ، ومن يُعرض عن ذلك . . ومع هذه القدرة الخالقة إن قلت لهم مؤكداً : أنهم سيبعثون من قبورهم ، وأنهم خلقوا ليموتوا ويُبعثوا ، سارعوا إلى الرد عليك مؤكدين أن هذا الذي جئتهم به لا حقيقة له ، وما هو إلا كالسحر الواضح الذي يلعب بالعقول .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

قوله تعالى : { وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء } ، قبل أن خلق السماء والأرض وكان ذلك الماء على متن الريح . قال كعب : خلق الله عز وجل ياقوتة خضراء ، ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ، ثم خلق الريح ، فجعل الماء على متنها ، ثم وضع العرش على الماء . قال ضمرة : إن الله تعالى كان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض ، وخلق القلم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه ، ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من خلقه .

قوله تعالى : { ليبلوكم } ، ليختبركم ، وهو أعلم ، { أيكم أحسن عملاً } ، أعمل بطاعة الله ، وأورع عن محارم الله تعالى .

قوله تعالى : { ولئن قلت } ، يا محمد ، { إنكم مبعوثون } أي : { من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين } ، يعنون القرآن . وقرأ حمزة والكسائي : ساحر يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

{ 7 - 8 } { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

يخبر تعالى أنه { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة { و } حين خلق السماوات والأرض { كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ } فوق السماء السابعة .

فبعد أن خلق السماوات والأرض استوى عليه ، يدبر الأمور ، ويصرفها كيف شاء من الأحكام القدرية ، والأحكام الشرعية . ولهذا قال : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } أي : ليمتحنكم ، إذ خلق لكم ما في السماوات والأرض بأمره ونهيه ، فينظر أيكم أحسن عملا .

قال الفضيل بن عياض رحمه الله : " أخلصه وأصوبه "

قيل يا أبا علي : " ما أخلصه وأصوبه " ؟ .

فقال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا ، لم يقبل .

وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ، حتى يكون خالصا صوابا .

والخالص : أن يكون لوجه الله ، والصواب : أن يكون متبعا فيه الشرع والسنة ، وهذا كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }

وقال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } فالله تعالى خلق الخلق لعبادته ومعرفته بأسمائه وصفاته ، وأمرهم بذلك ، فمن انقاد ، وأدى ما أمر به ، فهو من المفلحين ، ومن أعرض عن ذلك ، فأولئك هم الخاسرون ، ولا بد أن يجمعهم في دار يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم .

ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء ، فقال : { وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ }

أي : ولئن قلت لهؤلاء وأخبرتهم بالبعث بعد الموت ، لم يصدقوك ، بل كذبوك أشد التكذيب{[424]} ، وقدحوا فيما جئت به ، وقالوا : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ } ألا وهو الحق المبين .


[424]:- كذا في ب، وفي أ: أشد الكذب.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

ثم ساق - سبحانه - ما يشهد بعظيم قدرته فقال - تعالى - : { وَهُوَ الذي خَلَق السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ . . . } .

والأيام جمع يوم ، والمراد به هنا مطلق الوقت الذى لا يعلم مقداره إلا الله - تعالى - .

أى : وهو - سبحانه - الذى أنشأ السموات والأرض وما بينهما ، على غير مثال سابق ، فى ستة أيام من أيامه - تعالى - ، التى لا يعلم مقدار زمانها إلا هو .

وقيل : أنشأهن فى مقدار ستة أيام من أيام الدنيا .

قال سعيد بن جبير - رضى الله عنه - : كان الله قادرا على خلق السموات والأرض وما بينهما فى لمحة ولحظة ، فخلقهن فى ستة أيام ، تعليما لعباده التثبت والتأنى فى الأمور .

وقد جاءت آيات تدل على أنه - سبحانه - خلق الأض فى يومين ، وخلق السموات فى يومين وخلق ما بينهما فى يومين ، وهذه الآيات هى قوله - تعالى - : { قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العالمين . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ . ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ . فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وأوحى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا . . . } وجملة { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء } اعتراضية بين قوله { خَلَق السماوات والأرض } وبين { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } ويجوز أن تكون حالية من فاعل خلق وهو الله - تعالى - وعرش الله - تعالى - من الألفاظ التى لا يعلمها البشر إلا بالاسم . وقد جاء ذكر العرش فى القرآن الكريم إحدى وعشرين مرة .

ونحن مكلفون بأن نؤمن بأن له - سبحانه - عرشا ، أما كيفيته فنفوض علمها إليه - تعالى - .

والمعنى : أن الله - تعالى - خلق السموات والأرض فى ستة أيام ، وكان عرشه قبل خلقهما ليس تحته شئ سوى الماء .

قالوا : وفى ذلك دليل على أن العرش والماء كانا موجودين قبل وجود السموات والأرض .

قال القرطبي : قوله : { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء } بين - سبحانه - أن خلق العرش والماء ، كان قبل خلق الأرض والسماء . . .

ثم قال : وروى البخارى عن عمران بين حصين قال كنت عند النبى - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه قوم من بنى تميم فقال : " " اقبلوا البشرى يا بنى تميم " قالوا : بشرتنا فأعطنا . فدخل ناس من أهل اليمن فقالوا : جئنا لنتفقه فى الدين ، ولنسألك عن هذا الدين ونسألك عن أول هذا الأمر .

قال : " إن الله ولم يكن شئ غيره ، وكان عرشه على الماء . ثم خلق السموات والأرض ، وكتب فى الذكر كل شئ " " .

وقال ابن كثير بعد هذا الحديث وغيره : وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء " .

وروى الإِمام أحمد عن لقيط بن عامر العقبلى قال : قلت يا رسول الله ، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال : كان فى عماء ، ما تحته هواء ، وما فوقه هواء ، ثم خلق العرش بعد ذلك .

والعلماء : السحاب الرقيق ، أى فوق سحاب مدبرا له ، وعاليا عليه ، والسحاب ليس تحته سوى الهواء ، وليس فوقه سوى الهواء . والمراد أنه ليس مع الله - تعالى - شئ آخر .

وقوله - سبحانه - { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } جملة تعليلية . ويبلوكم من الابتلاء بمعنى الاختبار والامتحان .

أى : خلق ما خلق من السموات والأرض وما فيهما من كائنات ، ورتب فيهما جميع ما تحتاجون إليه من أسباب معاشكم ، ليعاملكم معاملة من يختبر غيره ، ليتميز المحسن من المسئ ، والمطيع من العاصى ، فيجازى المسحنين والطائعين بما يستحقون من ثواب ، ويعاقب المسيئين والعاصين بما هم أهله من عقاب .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } وأعمال المؤمنين هى التي تتفاوت إلى حسن وأحسن ، فأما أعمال المؤمنين والكافرين فتفاوتها إلى حسن وقبيح ؟ قلت : الذين هم أحسن عملا هم المتقون وهم الذين استبقوا إلى تحصيل ما هو مقصود الله - تعالى - من عباده ، فخصهم بالذكر ، واطرح ذكر من وراءهم ، تشريفا لهم ، وتنبيها على مكانهم منه ، وليكون ذلك لطفا للسامعين ، وترغيبا فى حياة فضلهم .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببيان موقف الكافرين من البعث والحساب فقال : { وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقُولَنَّ الذين كفروا إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } .

أى : ولئن قلت يا محمد لهؤلاء الكافرين الذين أرسلك الله لإِخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان ، لئن قلت لهم { إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ } يوم القيامة { مِن بَعْدِ الموت } الذى سيدرككم فى هذه الدنيا عند نهايكم آجالكم { لَيَقُولَنَّ } لك هؤلاء الكافرون على سبيل الأنكار والتهكم ما هذا الذى تقوله يا محمد { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أى : إلا سحر واضح جلى ظاهر لا لبس فيه ولا غموض .

وقرأ حمزة والكسائى وخلف { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } فتكون الإِشارة بقوله { هذا } إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أى : أنه فى زعمهم يقول كلاما ليسحرهم به ، وليصرفهم عما كان عليه آباؤهم وأجدادهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

{ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام } أي خلقهما وما فيهما كما مر بيانه في " الأعراف " أو ما في جهتي العلو والسفل وجمع السماوات دون الأرض لاختلاف العلويات بالأصل والذات دون السفليات . { وكان عرشه على الماء } قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما لأنه كان موضوعا على متن الماء ، واستدل به على إمكان الخلاء وأن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم . وقيل كان الماء على متن الريح والله اعلم بذلك . { ليبلوكم أيّكم أحسن عملا } متعلق ب { خلق } أي خلق ذلك كخلق من خلق ليعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون ، فإن جملة ذلك أسباب ومواد لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم ودلائل وأمارات تستدلون بها وتستنبطون منها ، وإنما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث إنه طريق إليه كالنظر والاستماع ، وإنما ذكر صيغة التفضيل والاختبار شامل لفرق المكلفين باعتبار الحسن والقبح للتحريض على أحاسن المحاسن ، والتحضيض على الترقي دائما في مراتب العلم والعمل فإن المراد بالعمل ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله " . والمعنى أيكم أكمل علما وعملا . { ولئن قلت إنّكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين } أي ما البعث أو القول به أو القرآن المتضمن لذكره إلا كالسحر في الخديعة أو البطلان . وقرأ حمزة والكسائي " إلا ساحر " على أن الإشارة إلى القائل . وقرئ " أنكم " بالفتح على تضمن قلت معنى ذكرت أو أن يكون أن بمعنى على أي ولئن قلت علّكم مبعوثون ، بمعنى توقعوا بعثكم ولا تبتوا بإنكاره لعدوه من قبيل ما لا حقيقة له مبالغة في إنكاره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

قال أكثر أهل التفسير : «الأيام » هي من أيام الدنيا ، وقالت فرقة : هي من أيام الآخرة يوم من ألف سنة . قاله كعب الأحبار ، والأول أرجح .

وأجزاء ذكر السماوات عن كل ما فيها إذ كل ذلك خلق في الستة الأيام ، واختلفت الأحاديث في يوم بداية الخلق ، فروي أبو هريرة - فيما أسند الطبري - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال : «خلق الله التربة يوم السبت والجبال يوم الأحد ، والشجر يوم الاثنين والمكروه يوم الثلاثاء ، والنور يوم الأربعاء ، وبث الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة » ، ونحو هذا من أن البداءة يوم السبت في كتاب مسلم ، وفي الدلائل لثابت : وكان خلق آدم في يوم الجمعة ، لا يعتد به إذ هو بشر كسائر بنيه ، ولو اعتد به لكانت الأيام سبعة خلاف ما في كتاب الله ، وروي عن كعب الأحبار أنه قال : بدأ الله خلق السماوات والأرض يوم الأحد ، وفرغ يوم الجمعة ، وخلق آدم في آخر ساعة منه . ونحو هذا في جل الدواوين أن البدأة يوم الأحد ، وقال قوم : خلق الله تعالى هذه المخلوقات في ستة أيام مع قدرته على خلقها في لحظة . نهجاً إلى طريق التؤدة والمهلة في الأعمال ليحكم البشر أعمالهم ، وروي عن ابن عباس أنه قال : كان العرش على الماء ، وكان الماء على الريح{[6268]} .

وقوله تعالى : { ليبلوكم } متعلق ب { خلق } والمعنى أن خلقه إياها كان لهذا وقال بعض الناس : هو متعلق بفعل مضمر تقديره أعلم بذلك ليبلوكم ، ومقصد هذا القائل : أن هذه المخلوقات لم تكن لسبب البشر .

وقرأ عيسى الثقفي{[6269]} : «ولئن قلتُ » بضم التاء ، وقرأ الجمهور «قلتَ » بفتح التاء .

ومعنى الآية : أن الله عز وجل هذه صفاته وهؤلاء بكفرهم في حيز إن قلت لهم : إنهم مبعوثون كذبوا وقالوا : هذا سحر . أي فهذا تناقض منكم إذ كل مفطور يقر بأن الله خالق السماوات والأرض ، فهم من جملة المقرين بهذا ، ومع ذلك ينكرون ما هو أيسر منه بكثير وهو البعث من القبور إذ البداءة أعسر من الإعادة ، وإذ خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس .

واللام في { لئن } مؤذنة بأن اللام في { ليقولن } لام قسم لا جواب شرط .

وقرأ الأعرج والحسن وأبو جعفر وشيبة وفرقة من السبعة «سحر » وقرأت فرقة «ساحر » وقد تقدم .


[6268]:- الثابت في البخاري عن عمران بن حصين قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء قوم من بني تميم فقال: (اقبلوا البشرى يا بني تميم)، قالوا بشرتنا فأعطنا، (مرتين)، فدخل ناس من أهل اليمن فقال: (اقبلوا البشرى يأهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم)، قالوا: قبلنا، جئنا لنتفقه في الدين، ولنسألك عن هذا الأمر ما كان؟ قال: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء)، ثم أتاني رجل فقال: يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها فإذا هي يقطع دونها السراب، وأيم الله لوددت أنها ذهبت ولم أقم.
[6269]:-هو عيسى بن مروان أبو عمرو الثقفي النحوي البصري، مؤلف الجامع والإكمال مات سنة 149هـ (طبقات الفقراء).