قوله تعالى : { أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين } . ثواب المطيعين .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الزياتي ، أنا حميد بن زنجويه ، أنا عفان بن مسلم ، أنا أبو عوانة ، أنا عثمان بن المغيرة ، عن علي بن ربيعة الأسدي عن أسماء بن الحكم الفزاري قال : سمعت علياً رضي الله عنه يقول : إني كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ينفعني الله منه بما شاء أن ينفعني ؛ وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته فإذا حلف لي صدقته ، وإنه حدثني أبو بكر -وصدق أبو بكر- أنه سمع رسول الله يقول : " ما من عبد مؤمن يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له " . ورواه أبو عيسى عن قتيبة عن أبي عوانة ، زاد ثم قرأ { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم } الآية .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أبو منصور السمعاني ، أنا أبو جعفر الزياتي ، أنا حميد بن زنجويه ، أنا هشام بن عبد الملك ، أخبرنا همام ، عن إسحاق عن عبد الله بن أبي طلحة قال : كان قاض بالمدينة يقال له عبد الرحمن بن أبي عمر وسمعته يقول : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن عبداً أذنب ذنباً فقال : أي رب ! أذنبت ذنباً فاغفره لي ، قال : فقال ربه عز وجل : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، غفرت لعبدي ، ثم مكث ما شاء الله ، ثم أذنب ذنباً آخر فقال : رب أذنبت ذنباً فاغفره لي ، فقال ربه عز وجل : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء " . أخبرناعبد الواحد المليحي ، أنا أبو منصور السمعاني ، أنا أبو جعفر الزياتي ، أنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا النعمان السدوسي ، أخبرنا المهدي بن ميمون ، أخبرنا غيلان بن جرير ، عن شهر بن حوشب عن معديكرب عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تبارك وتعالى : " قال يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ، ابن آدم إن لقيتنني بتراب الأرض خطايا لقيتك بقرابها مغفرةً بعد أن لا تشرك بي شيئاً ، ابن آدم إنك إن تذنب حتى تبلغ ذنوبك عنان السماء ثم تستغفرني أغفر لك " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين الحسني ، أنا عبد الله بن محمود بن حسن الشرقي ، أنا أبو الأزهر أحمد ابن الأزهر ، أخبرنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ، حدثني أبي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى " من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئاً " . قال ثابت البناني بلغني أن إبليس بكى حين نزلت هذه الآية ( والذين إذا فعلوا فاحشة ) إلى آخرها .
{ أولئك } الموصوفون بتلك الصفات { جزاؤهم مغفرة من ربهم } تزيل عنهم كل محذور { وجنات تجري من تحتها الأنهار } فيها من النعيم المقيم ، والبهجة والسرور والبهاء ، والخير والسرور ، والقصور والمنازل الأنيقة العاليات ، والأشجار المثمرة البهية ، والأنهار الجاريات في تلك المساكن الطيبات ، { خالدين فيها } لا يحولون عنها ، ولا يبغون بها بدلا ، ولا يغير ما هم فيه من النعيم ، { ونعم أجر العاملين } عملوا لله قليلا فأجروا كثيرا ف " عند الصباح يحمد القوم السرى " وعند الجزاء يجد العامل أجره كاملا موفرا .
وهذه الآيات الكريمات من أدلة أهل السنة والجماعة ، على أن الأعمال تدخل في الإيمان ، خلافا للمرجئة ، ووجه الدلالة إنما يتم بذكر الآية ، التي في سورة الحديد ، نظير هذه الآيات ، وهي قوله تعالى : { سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله } فلم يذكر فيها إلا لفظ الإيمان به وبرسله ، وهنا قال : { أعدت للمتقين } ثم وصف المتقين بهذه الأعمال المالية والبدنية ، فدل على أن هؤلاء المتقين الموصوفين بهذه الصفات هم أولئك المؤمنون .
ثم بين - سبحانه - عاقبة من هذه صفاتهم فقال : { أولئك جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين } .
أى : أولئك الموصوفون بتلك الصفات السابقة من الإنفاق فى السراء والضراء ، وكظم الغيظ ، والعفو عن الناس . . إلخ { أولئك جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } تستر ذنوبهم ، وتمسح خطاياهم .
وفى الإشارة إليهم بأولئك الدالة على البعد ، إشعار بعلو منزلتهم فى الفضل ، وسمو مكانتهم عند الله - تعالى - .
وقوله { وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } معطوف على { مَّغْفِرَةٌ } أى لهم بجانب هذه المغفرة جنات تجرى من تحت أشجارها وثمرها الأنهار .
وقوله { خَالِدِينَ فِيهَا } حال مقدرة من الضمير المجرور فى { جَزَآؤُهُمْ } لأنه مفعول به فى المعنى ، إذ هو بمعنى أولئك يجزيهم الله - تعالى - جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها . فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وعد أصحاب هذه الصفات بأمور ثلاثة .
وعدهم بغفران ذنوبهم وهذا منتهى الآمانى والآمال .
ووعدهم بإدخالهم فى جناته التى يتوفر لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين .
ووعدهم بالخلود فى تلك الجنات حتى يتم لهم السرور والحبور .
وقوله - تعالى - { وَنِعْمَ أَجْرُ العاملين } تذييل قصد به مدح ما أعد لهم من جزاءن حتى يرغب فى تحصيله العقلاء .
والمخصوص بالمدح محذوف أى ونعم أجر العاملين هذا الجزاء الذى وعدهم الله به مغفرة وجنات خالدين فيها .
وبذلك نرى السورة الكريمة قبل أن تفصل الحديث عن عزوة أحد ، قد ذكرت المؤمنين بطرف مما حدث من بعضهم فيها ، وبالنتائج الطيبة التى حصلوا عليها من غزوة بدر ، ثم أمرتهم بتقوى الله ، وبالمسارعة إلى الأعمال الصالحة التى توصلهم إلى رضاه .
{ أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } : خبر للذين إن ابتدأت به ، وجملة مستأنفة مبينة لما قبلها إن عطفته على المتقين ، أو على الذين ينفقون ولا يلزم من إعداد الجنة للمتقين والتائبين جزاء لهم إن لا يدخلها المصرون ، كما لا يلزم من إعداد النار للكافرين جزاء لهم أن لا يدخلها غيرهم ، وتنكير جنات على الأول يدل على أن ما هم أدون مما للمتقين الموصوفين بتلك الصفات المذكورة في الآية المتقدمة وكفاك فارقا بين القبيلين أنه فصل آيتهم بأن بين أنهم محسنون مستوجبون لمحبة الله وذلك لأنهم حافظوا على حدود الشرع وتخطوا إلى التخصص بمكارمه ، وفصل آية هؤلاء بقوله : { ونعم أجر العاملين } لأن المتدارك لتقصيره كالعامل لتحصيل بعض ما فوت على نفسه ، وكم بين المحسن والمتدارك والمحبوب والأجير ، ولعل تبديل لفظ الجزاء بالأجر لهذه النكتة ، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره ونعم أجر العاملين ذلك يعني المغفرة والجنات .