وقوله - سبحانه - { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } بيان لجانب آخر من جوانب الرعاية والتكريم للوط - عليه السلام - .
وعدى { قضينا } بإلى ، لتضمنه معنى أوحينا .
والمراد بذلك الأمر : إهلاك الكافرين من قوم لوط - عليه السلام - .
وجملة { أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } مفسرة ومبينة لذلك الأمر .
وعبر عن عذابهم وإهلاكهم بالإِبهام أولاً . ثم بالتفسير والتوضيح ثانيًا ، للإِشعار بأنه عذاب هائل شديد .
ودابرهم : أى آخرهم الذي يدبرهم . يقال : فلان دبر القوم يدبرهم دبورا إذا كان آخرهم في المجئ . والمراد أنهم استؤصلوا بالعذاب استئصالا .
وقوله { مصبحين } أى : داخلين في الصباح ، مأخوذ من أصبح التامة ، وصيغة أفعل تأتى للدخول في الشئ ، نحو أنجد وأتهم ، أى دخل في بلاد نجد وفى بلاد تهامة ، وهو حال من اسم الإِشارة هؤلاء ، والعامل فيه معنى الإِضافة .
والمعنى : وقضينا الأمر بإبادتهم ، وأوحينا إلى نبينا لوط - عليه السلام - أن آخر هؤلاء المجرمين مقطوع ومستأصل ومهلك مع دخول وقت الصباح .
وفى هذا التعبير ما فيه من الدلالة على أن العذاب سيمحقهم جميعًا ، بحيث لا يبقى منهم أحدًا ، لا من كبيرهم ولا من صغيرهم ، ولا من أولهم ولا من آخرهم .
{ وقضينا إليه } أي وأوحينا إليه مقضيا ، ولذلك عدي بإلى . { ذلك الأمر } مبهم يفسره . { أن دابر هؤلاء مقطوع } ومحله النصب على البدل منه وفي ذلك تفخيم للأمر وتعظيم له . وقرئ بالكسر على الاستئناف والمعنى : أنهم يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد . { مصبحين } داخلين في الصبح وهو حال من هؤلاء ، أو من الضمير في مقطوع وجمعه للحمل على المعنى . ف { إن دابر هؤلاء } في معنى مدبري هؤلاء .
المعنى { وقضينا ذلك الأمر } أي أمضيناه وختمنا به ، ثم أدخل في الكلام { إليه } من حيث أوحى ذلك إليه وأعلمه الله به فجلب هذا المعنى بإيجاز وحذف ما يدل الظاهر عليه و { أن } في موضع نصب ، قال الأخفش : هي بدل من { ذلك } ، وقال الفراء : بل التقدير «بأن دابر » فحذف حرف الجر{[7202]} ، والأول أصوب ، و «الدابر » الذي يأتي آخر القوم أي في أدبارهم ، وإذا قطع ذلك وأتى عليه فقد أتى العذاب من أولهم إلى آخرهم ، وهذه ألفاظ دالة على الاستئصال والهلاك التام ، يقال قطع الله دابره واستأصل شأفته وأسكت نأمته بمعنى .
وقرأ الأعمش «إن دابر » بكسر الهمزة وروي أن في قراءة عبد الله «وقضينا إليه ذلك الأمر وقلنا إن دابر هؤلاء مقطوع » .
{ قضينا } قدرنا ، وضمن معنى أوحينا فعدي ب ( إلى ) . والتقدير : وقضينا ذلك الأمر فأوحينا إليه ، أي إلى لوط عليه السلام ، أي أوحينا إليه بما قضينا .
و { ذلك الأمر } إبهام للتهويل . والإشارة للتعظيم ، أي الأمر العظيم .
و { أن دابر هؤلاء مقطوع } جملة مفسرة ل { ذلك الأمر } وهي المناسبة للفعل المضمن وهو ( أوحينا ) . فصار التقدير : وقضينا الأمرَ وأوحينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع . فنُظم الكلام هذا النظم البديع الوافر المعنى بما في قوله : { ذلك الأمر } من الإبهام والتعظيم .
ومجيء جملة { دابر } مفسرة مع صلوحية { أنّ } لبيان كل من إبهام الإشارة ومن فعل ( أوحينا ) المقدر المضمن ، فتم بذلك إيجاز بديع معجز .
والدابرُ : الآخر ، أي آخر شخص .
وقطعه : إزالته . وهو كناية عن استئصالهم كلهم ، كما تقدم عند قوله تعالى : { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } في سورة الأنعام ( 45 ) .
و { مصبحين } داخلين في الصباح ، أي في أول وقته ، وهو حال من اسم الإشارة . ومبدأ الصباح وقت شروق الشمس ولذلك قال بعده { فأخذتهم الصيحة مشرقين } [ سورة الحجر : 73 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وقضينا إليه} يقول: وعهدنا إلى لوط، {ذلك الأمر}، يعني: أمر العذاب، {أن دابر}، يعني: أصل {هؤلاء} القوم {مقطوع مصبحين} يقول: إذا أصبحوا نزل بهم العذاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وفرغنا إلى لوط من ذلك الأمر، وأوحينا "أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين "يقول: إن آخر قومك وأوّلهم مجذوذ مستأصل صباح ليلتهم... وقضينا إليه ذلك الأمر بأن دابر هؤلاء مقطوع مُصبحين... وعُنِي بقوله: "مُصْبِحِينَ": إذا أصبحوا، أو حين يصبحون...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... {وقضينا إليه} أي أنهينا إليه وأعلمناه، وهو قول الكسائي والقتبي.
{ذلك الأمر} يحتمل قوله: {ذلك} هو ما ذكر: {أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} هذا الذي أوحى إليه، وأعلمه...
ويحتمل الوحي إلى لوط على البشارة {أن دابر} قومه {مقطوع مصبحين} أي مقطوع نسلهم، فيه إخبار عن قطع نسلهم، وفي الخبر عن قطع نسلهم إخبار عن هلاكهم.
وقال بعضهم: {أن دابر هؤلاء مقطوع} أي مستأصلون {مصبحين} ليس يريد به حين أصبحوا، أي حين بدء طلوع الفجر، ولكن أراد طلوع الشمس. ألا ترى أنه قال: {فأخذتهم الصيحة مشرقين} (الحجر: 73) وإشراق الشمس هو ارتفاعها وبسطها في الأرض. دل أنه ما ذكرنا، والله أعلم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{قَضَيْنَا} ب"إلى" لأنه ضمن معنى: أوحينا، كأنه قيل: وأوحينا إليه مقضياً مبتوتاً. وفسر {ذَلِكَ الأمر} بقوله {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْء مَقْطُوعٌ}، وفي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر وتعظيم له... ودابرهم: آخرهم، يعني: يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
المعنى {وقضينا إليه ذلك الأمر} أي أمضيناه وختمنا به...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما تقرر بهذا أمر إهلاكهم من غير تصريح ولا تعيين لوقت، قال تعالى: {وقضينا} أي بما لنا من العظمة، موحين {إليه} أي خاصة {ذلك الأمر} وأشار إلى تعظيمه بالإشارة إليه بأداة البعد، ثم فسره بقوله: {أن دابر} أي آخر {هؤلاء} أي الحقيرين عند قدرتنا، وأشار بصيغة المفعول إلى عظمته سبحانه وسهولة الأمر عنده فقال تعالى: {مقطوع} حال كونهم {مصبحين} ولا يقطع الدابر حتى يقطع ما دونه، لأن العدو يكون مستقبلاً لعدوه، فهو كناية عن الاستئصال بأن آخرهم وأولهم في الأخذ سواء، لأن الآخذ قادر، لا كما يفعل بعض الناس مع بعض من أنهم يملون في آخر الوقائع فيفوتهم البعض.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
...وإيثار اسم الإشارة على الضمير للدلالة على اتصافهم بصفاتهم القبيحةِ التي هي مدارُ ثبوت الحكم، أي دابرَ هؤلاء المجرمين، وإيرادُ صيغة المفعول بدلَ صيغة المضارع لكونها أدخلَ في الدلالة على الوقوعِ، وفي لفظ القضاءِ والتعبيرِ عن العذاب بالأمر والإشارةِ إليه بذلك وتأخيرِه عن الجار والمجرور وإبهامِه أولاً ثم تفسيره ثانياً، من الدلالة على فخامة الأمر وفظاعتِه ما لا يخفى.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{قضينا} قدرنا، وضمن معنى أوحينا فعدي ب "إلى". والتقدير: وقضينا ذلك الأمر فأوحينا إليه، أي إلى لوط عليه السلام، أي أوحينا إليه بما قضينا.
و {ذلك الأمر} إبهام للتهويل، والإشارة للتعظيم، أي الأمر العظيم.
و {أن دابر هؤلاء مقطوع} جملة مفسرة ل {ذلك الأمر} وهي المناسبة للفعل المضمن وهو (أوحينا). فصار التقدير: وقضينا الأمرَ وأوحينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع. فنُظم الكلام هذا النظم البديع الوافر المعنى بما في قوله: {ذلك الأمر} من الإبهام والتعظيم.
ومجيء جملة {دابر} مفسرة مع صلوحية {أنّ} لبيان كل من إبهام الإشارة ومن فعل (أوحينا) المقدر المضمن، فتم بذلك إيجاز بديع معجز.
وقطعه: إزالته. وهو كناية عن استئصالهم كلهم، كما تقدم عند قوله تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} في سورة الأنعام (45).
و {مصبحين} داخلين في الصباح، أي في أول وقته، وهو حال من اسم الإشارة. ومبدأ الصباح وقت شروق الشمس ولذلك قال بعده {فأخذتهم الصيحة مشرقين} [سورة الحجر: 73].