{ جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي : جنات إقامة ، لا يبغي صاحبها بدلا منها ، من كمالها وتمام نعيمها ، وليسوا بخارجين منها ولا بمخرجين .
{ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ } أي : مفتحة لأجلهم أبواب منازلها ومساكنها ، لا يحتاجون أن يفتحوها هم ، بل هم مخدومون ، وهذا دليل أيضا على الأمان التام ، وأنه ليس في جنات عدن ، ما يوجب أن تغلق لأجله أبوابها .
فصل - سبحانه - ما أعده لهم-للمتقين-فى الآخرة من تكريم فقال : { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب } .
والعدن فى اللغة : الإِقامة الدائمة فى المكان . يقال : عدن فلان بمكان كذا ، إذا أقام به إقامة دائمة . وجنات : بدل اشتمال من قوله : { لَحُسْنَ مَآبٍ } . أى : هؤلاء المتقون أكرمناهم فى الدنيا بالذكر الحسن . ونكرمهم فى الآخرة بأن ندخلهم جنات عظيمة دخولا دائما مؤبدا ، وقد فتحت أبوابها على سبيل التكريم لهم . والحفاوة بمقدمهم .
ثم فسره بقوله : { جَنَّاتِ عَدْنٍ }أي : جنات إقامة مفتحة لهم الأبواب . والألف واللام هنا بمعنى الإضافة كأنه يقول : " مفتحة لهم أبوابها " أي : إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن ثواب الهَبَّاري حدثنا عبد الله بن نُمَيْر ، حدثنا عبد الله بن مسلم - يعني : ابن هرمز - عن ابن سابط عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن في الجنة قصرا يقال له : " عدن " حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب عند كل باب خمسة آلاف حبَرَة لا يدخله - أو : لا يسكنه - إلا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عدل » .
وقد ورد في ذكر أبواب الجنة الثمانية أحاديث كثيرة من وجوه عديدة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله تعالى ذكره:"جَنّاتِ عَدْنٍ": بيان عن حسن المآب، وترجمة عنه، ومعناه: بساتينُ إقامة...
وقوله: "مُفَتّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ "يعني: مفتحة لهم أبوابها...
فإن قال لنا قائل: وما في قوله: "مُفَتّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ "من فائدة خبر حتى ذكر ذلك؟ قيل: فإن الفائدة في ذلك إخبار الله تعالى عنها أن أبوابها تفتح لهم بغير فتح سكانها إياها، بمعاناة بيدٍ ولا جارحة، ولكن بالأمر فيما ذُكر.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
بين حسن المرجع الذي يرجعون إليه حين قال عز وجل: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} أي مقام، يقال: عدن في مكان كذا، أي أقام، كأنه قال: جنات مقام فيها {لا يبغون عنها حولا} [الكهف: 108]
وقال بعضهم: عدن الذي هو وسط الشيء كأنه ذكر أن الجنة عدن، كانت وسط الجنان.
يحتمل قوله: {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} أبواب الجنة، يقال لهم: ادخل أي باب من أبوابها شئت على ما يقوله بعض الناس، وجائز أن تكون أبواب كل أحد منهم في الجنة، تكون مفتحة؛ لأن الإغلاق في الأبواب إنما يكون في الدنيا إما لخوف السرق أو نظر الناس إلى أهله وحرمه، وخوف نظر أهله إلى الناس لهذا المعنى تتخذ الأبواب في الدنيا، والغلق والإغلاق دونهم، وليس ذلك المعنى في الجنة لما أخبر أن أزواجهم يكن قاصرات الطرف، لا ينظرن إلى غير أزواجهن.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
إذا جاؤوها لا يلحقهم ذُلُّ الحجاب، ولا كُلْفَةُ الاستئذان، تستقبلهم الملائكةُ بالترحاب والتبجيل.
اعلم أنه تعالى وصف من أحوال أهل الجنة في هذه الآية أشياء الأول: أحوال مساكنهم، فقوله: {جنات عدن} يدل على أمرين:...
الثاني: كونها دائمة آمنة من الانقضاء...
الأول: أن يكون المعنى أن الملائكة الموكلين بالجنان إذا رأوا صاحب الجنة فتحوا له أبوابها وحيوه بالسلام، فيدخل كذلك محفوفا بالملائكة على أعز حال وأجمل هيئة قال تعالى: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}.
الثاني: أن تلك الأبواب كلما أرادوا انفتاحها انفتحت لهم، وكلما أرادوا انغلاقها انغلقت لهم.
الثالث: المراد من هذا الفتح، وصف تلك المساكن بالسعة، ومسافرة العيون فيها ومشاهدة الأحوال اللذيذة الطيبة...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
إنما قال:"مفتحة" ولم يقل مفتوحة؛ لأنها تفتح لهم بالأمر لا بالمس...
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم، بل تبقى مفتحة كما هي، وأما النار فإذا دخلها أهلها أغلقت عليهم أبوابها، كما قال تعالى {إنها عليهم مؤصدة} [الهمزة: 8] أي مطبقة مغلقة.
أيضا فإن في تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبوئهم في الجنة حيث شاءوا، ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف من ربهم، ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما شوق سبحانه إلى هذا الجزاء أبدل منه أو بينه بقوله: {جنات عدن} أي إقامة في استمراء وطيب عيش ونمو وامتلاء وشرف أصل، ولما كانت من الأعلام الغالبة، نصب عنها على الحال قوله: {مفتحة} أي تفتيحاً كثيراً وبليغاً من غير أن يعانوا في فتحها شيئاً من نصب أو طلب أو تعب، وأشار جعل هذا الوصف مفرداً أن تفتيحها على كثرتها كان لهم في آن واحد حتى كأنها باب واحد.