التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{جَنَّـٰتِ عَدۡنٖ مُّفَتَّحَةٗ لَّهُمُ ٱلۡأَبۡوَٰبُ} (50)

تعليق على { جنات عدن } :

وبمناسبة ورود هذه الجملة لأول مرة نقول إنها وردت مرارا في آيات مكية ومدنية . وقد قيل : إن عدن مصدر عدن بمعنى أقام إقامة دائمة . وتكون الجملة حينئذ بمعنى جنات الخلود . وقيل : إنها علم على نوع خاص من الجنات الأخروية . وقيل : إن عدن بمعنى الكرم والبستان في السريانية . وقيل : إنها بمعنى وسط الجنة . وليس شيء من هذه الأقوال واردا في كتب الأحاديث الصحيحة ، وليس هناك مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها .

وقد ذكرت [ عدن ] مرتين في سفر التكوين أول أسفار العهد القديم المتداول اليوم . حيث جاء ذكرها في هذه العبارة : [ وغرس الرب الإله جنة عدن شرقا وجعل هناك الإنسان الذي جبله ] الإصحاح [ 2 ] . وفي هذه العبارة من نفس الإصحاح أيضا : [ وأخذ الرب الإله الإنسان وجعله في جنة عدن ليفلحها ويحرسها وأمر الرب الإله الإنسان قائلا من جميع شجر الجنة تأكل ، وأما شجرة معرفة الخير والشر فإنك لا تأكل منها . إنك يوم تأكل منها تموت موتا ] والعبارة تقتضي أن تكون الكلمة علما على بقعة ما في الكون أو الأرض . ولقد عرف من آثار السبئيين النقشية في اليمن الذين وجدوا وحكموا قبل المسيح بأكثر من ألف سنة وامتد زمنهم إلى الميلاد المسيحي أنه كان في جنوب اليمن منطقة اسمها [ أدنت ] كان فيها نتيجة لنظام الري الذي اهتم له السبئيون وكان من مظاهره خزانات أو سدود كثيرة للماء من جملتها سد مأرب العظيم بساتين وارفة وحقول فيحاء .

ومعلوم أنه يوجد اليوم منطقة ومدينة باسم عدن في أقصى الساحل اليمني الجنوبي الغربي يمتد إلى آماد بعيدة في التاريخ ولا يبعد أن تكون منطقة أدنت هي هذه المنطقة . وأن كلمة عدن الفصحى التي تطلق عليها اليوم متطورة من كلمة أدنت والتقارب اللفظي شديد بينهما . هذا مع التنبيه على أن فحوى الآيات القرآنية التي وردت فيها يفيد أن المقصود من الكلمة جنة أو جنات أخروية . ومن المحتمل كثيرا أن تكون أوصاف جنات منطقة أدنت اليمنية مشهورة متداولة عند العرب قبل البعثة ، فاقتضت حكمة الله تعالى تسمية جنات الآخرة أو بعضها باسمها جريا على النظم القرآني في وصف مشاهد الآخرة بالمألوفات الدنيوية على ما ذكرناه قبل وتبشير المؤمنين الصالحين بذلك للترغيب والتطمين . والإيمان واجب على كل حال بما ورد في القرآن وبكونه في نطاق قدرة الله تعالى وحكمته . والله تعالى أعلم .