الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{جَنَّـٰتِ عَدۡنٖ مُّفَتَّحَةٗ لَّهُمُ ٱلۡأَبۡوَٰبُ} (50)

قوله : { جَنَّاتِ عَدْنٍ } : العامةُ على نصب " جنات " بدلاً من " حُسْنَ مَآب " سواءً كانَتْ جنات عدنٍ معرفةً أم نكرةً ؛ لأنَّ المعرفةَ تُبْدَلُ من النكرة وبالعَكْس . ويجوزُ أن تكونَ عطفَ بيان إنْ كانَتْ نكرةً ولا يجوزُ ذلك فيها إنْ كانَتْ معرفةً . وقد جَوَّز الزمخشريُّ ذلك بعد حُكْمِه واستدلاله على أنها معرفةٌ ، وهذا كما تقدَّم له في مواضِعَ يُجِيْزُ عطفَ البيان ، وإنْ تَخالَفا تعريفاً وتنكيراً وقد تقدَّم هذا عند قولِه تعالى : { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ } [ آل عمران : 97 ] ويجوزُ أَنْ تَنْتَصِبَ " جناتِ عَدْنٍ " بإضمارِ فِعْلٍ . و " مُفَتَّحةً " حالٌ مِنْ " جنات عدن " أو نعتٌ لها إن كانَتْ نكرةً . وقال الزمخشري : " حالٌ . والعاملُ فيها ما في " للمتقين " مِنْ معنى الفعلِ " انتهى . وقد عَلَّلَ أبو البقاءِ بعلةٍ في قوله/ : " مُتَّكئين " تقتضي مَنْعَ " مُفَتَّحة " أَنْ تكونَ حالاً ، وإنْ كانَتْ العلةُ غيرَ صحيحةٍ . وقال : " ولا يجوزُ أَنْ يكونَ " متكئين " حالاً مِنْ " للمتقين " لأنه قد أخبر عنهم قبلَ الحال " وهذه العلةُ موجودةٌ في جَعْل " مُفَتَّحةً " حالاً من " للمتقين " كما ذكره الزمخشري . إلاَّ أنَّ هذه العلةَ ليسَتْ صحيحةً وهو نظيرُ قولِك : " إن لهندٍ مالاً قائمةً " . وأيضاً في عبارتِه تجَوُّزٌ : فإنَّ " للمتقين " لم يُخْبِرْ عنهم صناعةً إنما أخبر عنهم معنًى ، وإلاَّ فقد أخبر عن " حُسْن مآب " بأنَّه لهم . وجعل الحوفيُّ العاملَ مقدراً أي : يَدْخلونها مفتحةً .

قوله : " الأبواب " في ارتفاعِها وجهان ، أحدهما : - وهو المشهورُ عند الناسِ - أنَّها مُرْتفعةٌ باسمِ المفعول كقوله : { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 73 ] . واعْتُرِضَ على هذا بأن " مُفتَحةً " : إمَّا حالٌ ، وإمَّا نعتٌ ل " جنات " ، وعلى التقديرَيْن فلا رابطَ وأُجيب بوجهين ، أحدهما : قولُ البصريين : وهو أنَّ ثَمَّ ضميراً مقدراً تقديرُه : الأبوابُ منها . والثاني : أنَّ أل قامَتْ مقامَ الضمير ؛ إذِ الأصلُ : أبوابُها . وهو قول الكوفيين وتقدَّم تحقيقُ هذا . والوجهان جاريان في قولِه : { فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [ النازعات : 41 ] . الثاني : أنها مرتفعةٌ على البدلِ من الضميرِ في " مُفَتَّحَةً " العائدِ على " جنات " وهو قولُ الفارسيِّ ، لمَّا رأى خُلُوَّها من الرابطِ لفظاً ادَّعَى ذلك . واعْتُرض على هذا : بأنَّ مِنْ بدلِ البعض أو الاشتمالِ ، وكلاهما لا بُدَّ فيهما مِنْ ضميرٍ فيُضْطَرُّ إلى تقديره كما تقدَّم . ورَجَّح بعضُهم الأولَ : بأنَّ فيه إضماراً واحداً ، وفي هذا إضماران وتَبعه الزمخشريُّ فقال : " والأبواب بدلٌ مِن الضمير في " مُفَتَّحَةً " أي : مفتحةً هي الأبواب كقولك : ضربَ زيدٌ اليدَ والرِّجْلَ ، وهو مِنْ بَدَلِ الاشتمال " فقوله : " بدلُ الاشتمال " إنما يعني به الأبواب ، لأنَّ الأبواب قد يُقال : إنها ليسَتْ بعضَ الجنات ، و " أمَّا ضَرَبَ زيدٌ اليدَ والرِّجْلَ " فهو بعضٌ مِنْ كل ليسَ إلاَّ .

وقرأ زيد بن علي وأبو حيوةَ { جَنَّاتُ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةٌ } برفعهما : إمَّا على أنهما جملةٌ مِنْ مبتدأ وخبرٍ ، وإمَّا على أنَّ كلَّ واحدةٍ خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : هي جناتٌ ، هي مفتحةٌ .