{ إلا امرأته } استثناء من { آل لوط } ، أو من ضميرهم ، وعلى الأول لا يكون إلا من ضميرهم لاختلاف الحكمين اللهم إلا أن يجعل { إنا لمُنجّوهم } اعتراضا ، وقرأ حمزة والكسائي " لَمُنْجُوهُم " مخففا . { قدّرنا إنها لمن الغابرين } الباقين مع الكفرة لتهلك معهم . وقرأ أبو بكر عن عاصم " قَدَرْنا " هنا وفي " النمل " بالتخفيف ، وإنما علق والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم . ويجوز أن يكون { قدّرنا } أجري مجرى قلنا لأن التقدير بمعنى القضاء قول ، وأصله جعل الشيء على مقدار غيره وإسنادهم إياه إلى أنفسهم . وهو فعل الله سبحانه وتعالى لما لهم من القرب والاختصاص به .
وقوله { إلا امرأته } استثناء بعد استثناء وهما منقطعان فيما حكى بعض النحاة لأنهم لم يجعلوا امرأته الكافرة من آله .
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، لأنها قبل الاستثناء داخلة في اللفظ الذي هو الأول ، وليس كذلك الأول مع «المجرمين » ، فيظهر الاستثناء الأول منقطعاً والثاني متصلاً ، والاستثناء بعد الاستثناء يرد المستثنى الثاني في حكم أمر الأول ، ومثل بعض الناس في هذا بقولك : لي عندك مائة درهم إلا عشرة دراهم إلا درهمين ، فرجعت الدرهمان في حكم التسعين الدرهم ، وقال المبرد : ليس هذا المثال بجيد ، لأنه من خلق الكلام ورثه إذ له طريق إلى أداء المعنى المقصود بأجمل من هذا التخليق ، وهو أن يقول لي عندك مائة إلا ثمانية ، وإنما ينبغي أن يكون مثالاً للآية قولك : ضربت بني تميم إلا بني دارم إلا حاجباً ، لأن حاجباً من بني دارم فلما كان المستثنى الأول في ضمنه ما لا يجري الحكم عليه ، والضرورة تدخله في لفظه ولا يمكنك العبارة عنه دون ذلك يجري الحكم عليهم اضطررت إلى استثناء ثان{[7193]} .
قال القاضي أبو محمد : ونزعة المبرد في هذا نبيلة ، وقرأ جميعهم سوى عاصم في رواية أبي بكر «قدّرنا » بتشديد الدال في كل القرآن ، وقرأ عاصم «قدَرنا » بتخفيفها ، ونقل في رواية حفص ، والتخفيف يكون بمعنى التثقيل كما قال الهذلي أبو ذؤيب : [ الطويل ]
ومفرهة عنس قدرت لساقها . . . فخرت كما تتابع الريح بالقفل{[7194]}
يريد قدرت ضربي لساقها ، وكقول النبي عليه السلام في الاستخارة : «واقدر لي الخير حيث كان »{[7195]} ، ويكون أيضاً بمعنى سن ووفق ومنه قول الشاعر : { يزيد بن مفرغ ]
بقندهار ومن تقدير منيته . . . يرجع دونه الخبر{[7196]}
وكسرت الألف من { إنها } بسبب اللام التي في قوله { لمن } والغابر الباقي في الدهر وغيره ، وقالت فرقة منهم النحاس : هو من الأضداد ، يقال في الماضي وفي الباقي{[7197]} ، وأما في هذه الآية فهي للبقاء أي من الغابرين في العذاب .