ولكن أبى فرعون ، إلا عتوا وضلالا وتماديا في غيه وعنادا ، فقال للسحرة : { آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } .
يتعجب ويعجب قومه من جراءتهم عليه ، وإقدامهم على الإيمان من غير إذنه ومؤامرته .
{ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } هذا ، وهو الذي جمع السحرة ، وملأه ، الذين أشاروا عليه بجمعهم من مدائنهم ، وقد علموا أنهم ما اجتمعوا بموسى ، ولا رأوه قبل ذلك ، وأنهم جاءوا من السحر ، بما يحير الناظرين ويهيلهم ، ومع ذلك ، فراج عليهم هذا القول ، الذي هم بأنفسهم ، وقفوا على بطلانه ، فلا يستنكر على أهل هذه العقول ، أن لا يؤمنوا بالحق الواضح ، والآيات الباهرة ، لأنهم لو قال لهم فرعون عن أي شيء كان ، إنه على خلاف حقيقته ، صدقوه .
ثم توعد السحرة فقال : { لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ } أي : اليد اليمنى ، والرجل اليسرى ، كما يفعل بالمفسد في الأرض ، [ ص 592 ] { وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } لتختزوا ، وتذلوا .
ثم يحكى - سبحانه - بعد ذلك موقف فرعون وقد رأى ما حطمه وزلزله فقال - تعالى - : { قَالَ } أى فرعون للسحرة { آمَنتُمْ لَهُ } أى : لموسى { قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } بالإيمان به .
{ إِنَّهُ } أى : موسى - عليه السلام - { لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر } أى : فأنتم متواطئون معه على هذه اللعبة { فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ما أنزله بكم من عذاب .
{ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ } أى : لأقطعن من كل واحد منكم يده اليمنى مع رجله اليسرى . { وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } أى : فى جذوع النخل - كما جاء فى آية أخرى - والمتأمل فى قول فرعون - كما حكاه القرآن عنه يرى فيه الطغيان والكفر ، فهو يستنكر على السحرة إيمانهم بدون إذن .
ويرى فيه الكذب الباطل الذى قصد من ورائه تشكيك قومه فى صدق موسى وفى نبوته فهو يقول لهم : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر } .
ويرى فيه بعد هذا التلبيس على قومه ، التهديد الغليظ - شأن الطغاة فى كل زمان ومكان - فهو يقول للسحرة الذين صاروا مؤمنين : { فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } أى : بدون استثناء لواحد منهم .
تهددهم فلم يقطع ذلك فيهم ، وتوعدهم فما زادهم إلا إيمانا وتسليما . وذلك أنه قد كشف عن قلوبهم حجاب الكفر ، وظهر لهم الحق بعلمهم ما جهل قومهم ، من أن هذا الذي جاء به موسى لا يصدر عن بشر ، إلا أن يكون الله قد أيده به ، وجعله له حجة ودلالة على صدق ما جاء به من ربه ؛ ولهذا لما قال لهم فرعون : { آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } ؟ أي : كان ينبغي أن تستأذنوني فيما فعلتم ، ولا تفتاتوا عليَّ في ذلك ، فإن أذنت لكم فعلتم ، وإن منعتكم امتنعتم ، فإني أنا الحاكم المطاع ؛ { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } . وهذه مكابرة يعلم كل أحد بُطلانها ، فإنهم لم يجتمعوا بموسى قبل ذلك اليوم ، فكيف يكون كبيرهم الذي أفادهم صناعة السحر ؟ هذا لا يقوله عاقل .
{ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر } فعلمكم شيئا دون شيء ولذلك غلبكم ، أو فواعدكم على ذلك وتواطأتم عليه ، وأراد به التلبيس على قومه كي لا يعتقدوا أنهم أمنوا على بصيرة وظهور حق ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وروح " أأمنتم " بهمزتين { فلسوف تعلمون } وبال ما فعلتم وقوله : { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين } بيان له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.