فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (49)

{ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ؟ } أي بغير إذن مني ، قال ذلك لما خاف على قومه أن يتبعوا السحرة ، ثم قال مغالطا للسحرة الذين آمنوا وموهما للناس أن فعل موسى سحر من جنس ذلك السحر .

{ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } وإنما اعترف له بكونه كبيرهم ، مع كونه لا يجب الاعتراف بشيء يرتفع به شأن موسى ، لأنه قد علم كل من حضر أن ما جاء به موسى أبهر مما جاء به السحرة ، فأراد أن يشكك على الناس بأن هذا الذي شاهدتم ، وإن كان قد فاق على ما فعله هؤلاء السحرة فهو فعل كبيرهم ، وهو من استاذهم الذي أخذوا عنه هذه الصناعة ، فلا تظنوا أنه فعل لا يقدر عليه البشر ، وأنه من فعل الرب الذي يدعو إليه موسى ، ولا تعتقدوا ان السحرة آمنوا على بصيرة ، وظهور حق ، يعني أن غلبته عليكم لم تكن بالعجز الإلهي ، بل بما لم يعلمكم من السحر ، وأنتم لضعف عقولكم حسبتم أنه غلبكم بغير جنس السحرة ، فآمنتم .

ثم توعد أولئك السحرة الذين آمنوا بالله لما قهرتهم حجة الله فقال : { فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } وبال ما فعلتم وما ينالكم مني . أجمل التهديد أولا للتهويل ، ثم فصله فقال :

{ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ } أي من أجل خلاف ظهر منكم . وقيل : أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى { وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } كأنه أراد به ترهيب العامة لئلا يتبعونهم في الإيمان . قيل : إنه فعل بهم ما توعدهم به من التقطيع والتصليب وقيل : لم يفعله بهم ولم يرد في القرآن ما يدل على أنه فعل بهم ذلك ، ما سمعوا ذلك من قوله { قَالُوا : لَا ضَيْرَ }