فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ ءَامَنتُمۡ لَهُۥ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحۡرَ فَلَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰفٖ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (49)

فلما سمع فرعون ذلك منهم ، ورأى سجودهم لله { قال ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ } أي بغير إذن مني ، ثم قال مغالطاً للسحرة الذين آمنوا ، وموهماً للناس أن فعل موسى سحر من جنس ذلك السحر : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر } وإنما اعترف له بكونه كبيرهم مع كونه لا يحبّ الاعتراف بشيء يرتفع به شأن موسى ، لأنه قد علم كل من حضر أن ما جاء به موسى أبهر مما جاء به السحرة ، فأراد أن يشكك على الناس بأن هذا الذي شاهدتم ، وإن كان قد فاق على ما فعله هؤلاء السحرة ، فهو فعل كبيرهم ، ومن هو أستاذهم الذي أخذوا عنه هذه الصناعة ، فلا تظنوا أنه فعل لا يقدر عليه البشر ، وأنه من فعل الربّ الذي يدعو إليه موسى .

ثم توعد أولئك السحرة الذين آمنوا بالله لما قهرتهم حجة الله ، فقال : { فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أجمل التهديد أوّلاً للتهويل ، ثم فصله ، فقال : { لأقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلأَصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } ، فلما سمعوا ذلك من قوله { قالوا لاَ ضَيْرَ إِنَّا إلى رَبّنَا مُنقَلِبُونَ } .

/خ51