المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

15- ووصينا الإنسان بوالديه أن يحسن إليهما إحساناً عظيماً ، حملته أمه حملاً ذا مشقة ، ووضعته وضعاً ذا مشقة ، ومدة حمله وفصاله ثلاثون شهراً قاست فيها صنوف الآلام ، حتى إذا بلغ كمال قوته وعقله ، وبلغ أربعين سنة ، قال : رب ألهمني شكر نعمتك التي أنعمت علىَّ وعلى والدي ، وألهمني أن أعمل عملاً صالحاً ترضاه ، واجعل الصلاح سارياً في ذريتي ، إني تبت إليك من كل ذنب ، وإني من الذين أسلموا أنفسهم إليك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

قوله عز وجل : { ووصينا الإنسان بوالديه حسناً } قرأ أهل الكوفة : إحسانا كقوله تعالى : { وبالوالدين إحسانا } ( البقرة-83 ) { حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً } يريد شدة الطلق . قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو { كرهاً } بفتح الكاف فيهما ، وقرأ الآخرون بضمها . { وحمله وفصاله } فطامه ، وقرأ يعقوب : { وفصله } بغير ألف ، { ثلاثون شهراً } يريد أقل مدة الحمل ، وهي ستة أشهر ، وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهراً . وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهراً ، وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهراً : { حتى إذا بلغ أشده } نهاية قوته ، وغاية شبابه واستوائه ، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة ، فذلك قوله : { وبلغ أربعين سنةً } وقال السدي والضحاك : نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وقد مضت القصة . وقال الآخرون : نزلت في أبي بكر الصديق وأبيه أبي قحافة عثمان ابن عمرة ، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمر وقال علي بن أبي طالب : الآية نزلت في أبي بكر ، أسلم أبواه جميعاً ، ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره ، أوصاه الله بهما ، ولزم ذلك من بعده . وكان أبو بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنةً ، والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة ، في تجارة إلى الشام ، فلما بلغ أربعين سنة ونبئ النبي صلى الله عليه وسلم آمن به ودعا ربه . { فقال رب أوزعني } ألهمني ، { أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي } بالهداية والإيمان ، { وأن أعمل صالحاً ترضاه } قال ابن عباس : وأجابه الله عز وجل ، فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله ولم يرد شيئاً من الخير إلا أعانه الله عليه ، ودعا أيضاً فقال : { وأصلح لي في ذريتي } فأجابه الله ، فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعاً ، فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعاً ، فأدرك أبو قحافة النبي صلى الله عليه وسلم ، وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبد الرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة . { إني تبت إليك وإني من المسلمين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

{ 15-16 } { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ }

هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره للوالدين أن وصى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف والكلام اللين وبذل المال والنفقة وغير ذلك من وجوه الإحسان .

ثم نبه على ذكر السبب الموجب لذلك فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة ، وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة أو ساعتين ،

وإنما ذلك مدة طويلة قدرها { ثَلَاثُونَ شَهْرًا } للحمل تسعة أشهر ونحوها والباقي للرضاع هذا هو الغالب .

ويستدل بهذه الآية مع قوله : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع -وهي سنتان- إذا سقطت منها السنتان بقي ستة أشهر مدة للحمل ، { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي : نهاية قوته وشبابه وكمال عقله ، { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي } أي : ألهمني ووفقني { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ } أي : نعم الدين ونعم الدنيا ، وشكره بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها ومقابلته منته بالاعتراف والعجز عن الشكر والاجتهاد في الثناء بها على الله ، والنعم على الوالدين نعم على أولادهم وذريتهم لأنهم لا بد أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها ، خصوصا نعم الدين فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم .

{ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ } بأن يكون جامعا لما يصلحه سالما مما يفسده ، فهذا العمل الذي يرضاه الله ويقبله ويثيب عليه . { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي } لما دعا لنفسه بالصلاح دعا لذريته أن يصلح الله أحوالهم ، وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله : { وَأَصْلِحْ لِي }

{ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } من الذنوب والمعاصي ورجعت إلى طاعتك { وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

وبعد هذا الحديث عن حقيقة هذا الدين ، وعن حسن عاقبة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، جاء الحديث عن وجوب الإِحسان إلى الوالدين وعما يترتب عليه هذا الإِحسان من ثواب عظيم ، قال - تعالى - : { وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ . . . كَانُواْ يُوعَدُونَ } .

قال الإِمام ابن كثير : لما ذكر - تعالى - فى الآية الأولى التوحيد له ، وإخلاص العبادة والاستقامة إليه ، عطف ، بالوصية بالوالدين ، كما هو مقرون فى غير ما آية من القرآن ، كقوله : { وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً } وقال : { أَنِ اشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المصير } إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة .

وقوله - سبحانه - : { وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً } من الإِيصاء بالشئ بمعنى الأمر به . قال - تعالى - : { وَأَوْصَانِي بالصلاة والزكاة مَا دُمْتُ حَيّاً } أى : أمرنى بالمحافظة على أدائهما .

وقوله : { إِحْسَاناً } قراءة عاصم وحمزة والكسائى . وقرأ غيرهم من بقية السبعة { حسنا } وعلى القراءتين فانتصابهما على المصدرية . أى : ووصينا الإِنسان وأمرناه بأن يحسن إلى والديه إحسانا أو حسنا ، بأن يقدم إليهما كل ما يؤدى إلى برهما وإكرامهما .

ويصح أن يكون وصينا بمعنى ألزمنا ، فيتعدى لاثنين ، فيكون المفعول الثانى منها ، قوله : { حْسَاناً } أو { حسنا } .

وقوله - سبحانه - : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } تعليل للإِيصاء المذكور ولفظ { كُرْهاً } قرئ بضم الكاف وفتحها ، وهما قراءتان سبعيتان ، قالوا : ومعناهما واحد كالضُّعف - بتشديد الضاد وفتحها أو ضمها - فهما لغتان بمعنى واحد .

وهذا اللفظ منصوب على الحال من الفاعل . أى : حملته أمة ذات كره . ووضعته ذات كره ، أو هو صفة لمصدر مقدر ، أى : حملته حملا ذا كره ، ووضعته كذلك .

ولا شك فى أن الأم تعانى فى أثناء حملها ووضعها لوليدها ، الكثير من المشاق والآلام والمتاعب . . فكان من الوفاء أن يقابل ذلك منها بالإِحسان والإِكرام .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى آية أخرى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً على وَهْنٍ } أى : حملته أمة ضعفا على ضعف ، لأن الحمل كلما تزايد وعظم فى بطنها ، ازداد ضعفها . .

وقوله - تعالى - : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } بيان لمدة الحمل والفطام ، والكلام على حذف مضاف . والفصال : مصدر فاصل ، وهو بمعنى الفطام ، وسمى الفطام فصالا ، لأن الطفل ينفصل عن ثدى أمه فى نهاية الرضاع .

أى : ومدة حمل الطفل مع مدة فصاله عن ثدى أمه ، ثلاثون شهرا .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : المراد بيان مدة الرضاع لا الفطام ، فكيف عبر عنه بالفصال . . . لما كان الرضاع يليه الفصال ويلابسه ، لأنه ينتهى به ويتم ، سمى فصالا . . . وفيه فائدة ، وهى الدلالة على الرضاع التام المنتهى بالفصال ووقته . .

وقال الشوكانى : وقد استدل بهذه الآية على أن أقل المل ستة أشهر ، لأن مدة الرضاع سنتان ، أى : مدة الرضاع الكامل ، كما فى قوله - تعالى - : { والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة } فذكر - سبحانه - فى هذه الآية أقل مدة الحمل ، وأكثر مدة الرضاع .

وفى هذه الآية إشارة الى أن حق الأم ، آكد من حق الأب ، لأنها هى التى حملت وليدها بمشقة ووضعته بمشقة ، وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب .

.

وقوله - تعالى - : { حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أوزعني أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ . . } غاية لمحذوف يفهم من سياق الكلام .

والأشد : قوة الإِنسان واشتعال حرارته ، من الشدة بمعنى القوة والارتفاع . يقال : شد النهار ، إذا ارتفع ، وهو مفرد جاء بصيغة الجمع ، ولا واحد له من لفظه .

والمراد ببلوغ أشده : أن يصل سنه على الراجح - إلى ثلاث وثلاثين سنة .

وقوله : { أوزعني } أى : رغبنى ووفقنى ، من قولك : أوزعت فلانا بكذا ، إذا أغريته وحببته فى فعله . أى : هذا الإِنسان بعد أن بقى فى بطن أمه ما بقى ، وبعد أن وضعته وأرضعته وفطمته وتولته برعايتها ، واستمرت حياته " حتى إذا بلغ اشده " أى : حتى إذا بلغ زمن استكمال قوته ، وبلغ أربعين سنة وهى تمام اكتمال العقل والقوة والفتوة .

{ قَالَ } على سبيل الشكر لخالقه { رَبِّ أوزعني . . . } أى : يا رب وقفنى وألهمنى { أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ } بأن وفقتنى ووفقتهما إلى صراطك المستقيم ، وبأن رزقتها العطف علىَّ ، ورزقنى الشكر لها ، ووفقنى - أيضا - { وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ } منى ، وتقبله عندك { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذريتي } أى : واجعل - يا إلهى - الصلاح راسخا فى ذريتى ، وساريها فيها ، لأن صلاح الذرية فيه السعادة الغامرة للآباء .

{ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ } توبة صادقة نصوحا وإنى من المسلمين الذين أخلصوا نفسوهم لطاعتك ، وقلوبهم لمرضاتك .

فأنت ترى ان الآية الكريمة قد اشتملت على أسمى ألوان الدعوات ، التى عن طريق إجابتها تتحق السعادة الدنيوية والأخروية .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى " فى " فى قوله : { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذريتي } ؟ قلت : معناه أن يجعل ذريته موقعا للصلاح ومظنته ، كأنه قال هب : لى الصلاح فى ذريتى ، وأوقعه فيهم .

وفى الآية الكريمة تنبيه للعقلاء ، إلى أن شأنهم - خصوصا عند بلوغ سن الأربعين . أن يكثروا من التضرع إلى الله بالدعاء ، وأن يتزودوا بالعمل الصالح ، فإنها السن التى بعث الله - تعالى - فيها معظم الأنبياء ، والتى فيها يكتمل العقل ، وتستجمع القوة ، ويرسخ فيها خلق الإِنسان الذى تعوده وألفه ورحم الله القائل :

إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن . . . له دون ما يهوى حياء ولا ستر

فدعه ولا تنفس عليه الذى مضى . . . وإن جر أسباب الحاية له العمر

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

لما ذكر تعالى في الآية الأولى التوحيد له وإخلاص العبادة والاستقامة إليه ، عطف بالوصية بالوالدين ، كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن ، كقوله : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [ الإسراء : 23 ] وقال : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } [ لقمان : 14 ] ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة . وقال هاهنا : { وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا } أي : أمرناه بالإحسان إليهما والحنو عليهما .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، أخبرني سِمَاك بن حرب قال : سمعت مُصْعب بن سعد{[26402]} يحدث عن سعد قال : قالت أم سعد لسعد : أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين ، فلا آكل طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى تكفر بالله . فامتنعت من الطعام والشراب ، حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا ، ونزلت هذه الآية : { وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } الآية [ العنكبوت : 8 ] .

ورواه مسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه ، من حديث شعبة بإسناده ، نحوه وأطول منه {[26403]} .

{ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا } أي : قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعبا ، من وِحَام وغشيان وثقل وكرب ، إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة ، { وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا } أي : بمشقة أيضا من الطلق وشدته ، { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا }

وقد استدل علي ، رضي الله عنه ، بهذه الآية مع التي في لقمان : { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [ لقمان : 14 ] ، وقوله : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } [ البقرة : 233 ] ، على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، وهو استنباط قوي صحيح . ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة ، رضي الله عنهم .

قال محمد بن إسحاق بن يسار ، عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط ، عن بَعْجَةَ{[26404]} بن عبد الله الجهني قال : تزوج رجل منا امرأة من جُهَيْنة ، فولدت له لتمام ستة أشهر ، فانطلق زوجها إلى عثمان فذكر ذلك له ، فبعث إليها ، فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها ، فقالت : ما يبكيك ؟ ! فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله غيره قط ، فيقضي الله في ما شاء . فلما أتي بها عثمان أمر برجمها ، فبلغ ذلك عليا فأتاه ، فقال له : ما تصنع ؟ قال : ولدت تماما لستة أشهر ، وهل يكون ذلك ؟ فقال له [ علي ] {[26405]} أما تقرأ القرآن ؟ قال : بلى . قال : أما سمعت الله يقول : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا } وقال : { [ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ ] حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } {[26406]} ، فلم نجده بقي إلا ستة أشهر ، قال : فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا ، علي بالمرأة فوجدوها قد فُرِغَ منها ، قال : فقال بَعْجَةُ : فوالله ما الغراب بالغراب ، ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه . فلما رآه أبوه قال : ابني إني والله لا أشك فيه ، قال : وأبلاه{[26407]} الله بهذه القرحة قرحة الآكلة ، فما زالت تأكله حتى مات{[26408]} .

رواه ابن أبي حاتم ، وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله : { فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فَرْوَة بن أبي المَغْرَاء ، حدثنا علي بن مِسْهَر ، عن داود بن أبي هند ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس{[26409]} قال : إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرون شهرا ، وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرًا ، وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين ؛ لأن الله تعالى يقول : { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا }

{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي : قوى وشب وارتجل { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } أي : تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه . ويقال : إنه لا يتغير غالبا عما يكون عليه ابن الأربعين .

قال أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قلت لمسروق : متى يؤخذ الرجل بذنوبه ؟ قال : إذا بَلَغْتَ الأربعين ، فَخُذْ حذرك .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عُبَيد الله القواريري ، حدثنا عَزْرَة بن قيس الأزدي - وكان قد بلغ مائة سنة - حدثنا أبو الحسن السلولي{[26410]} عنه وزادني{[26411]} قال : قال محمد بن عمرو بن عثمان ، عن عثمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله حسابه ، وإذا بلغ{[26412]} ستين سنة رزقه الله الإنابة إليه ، وإذا بلغ سبعين سنة أحبّه أهل السماء ، وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله حسناته ومحا سيئاته ، وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفَّعه الله في أهل بيته ، وكتب في السماء : أسير{[26413]} الله في أرضه " {[26414]} .

وقد روي هذا من غير هذا الوجه ، وهو في مسند الإمام أحمد{[26415]} {[26416]} .

وقد قال الحجاج بن عبد الله الحكمي أحد أمراء بني أمية بدمشق : تركت المعاصي والذنوب أربعين سنة حياء من الناس ، ثم تركتها حياء من الله ، عز وجل .

وما أحسن قول الشاعر :

صَبَا ما صَبَا حَتى عَلا الشَّيبُ رأسَهُ *** فلمَّا عَلاهُ قال للباطل : ابطُل{[26417]}

{ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي } أي : ألهمني { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ } أي : في المستقبل ، { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي } أي : نسلي وعقبي ، { إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله ، عز وجل ، ويعزم عليها .

وقد روى أبو داود في سننه ، عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد : " اللهم ، ألف بين قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سبُل {[26418]} السلام ، ونجنا من الظلمات إلى النور ، وجنّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا ، وأزواجنا ، وذرياتنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها قابليها ، وأتممها علينا " {[26419]} .


[26402]:- (1) في أ: "حرب".
[26403]:- (1) مسند الطيالسي برقم (208) وصحيح مسلم يرقم (1748) وسنن أبي داود برقم (2740) وسنن الترمذي برقم (3079) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11196) لكن النسائي لم يرو الشاهد هنا وإنما روى أوله.
[26404]:- (2) في ت، أ: "معمر".
[26405]:- (3) زيادة من ت، أ.
[26406]:- (4) زيادة من أ.
[26407]:- (5) في ت، م، أ: "وابتلاه".
[26408]:- (6) ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور للسيوطي 07/441).
[26409]:- (7) في ت: "عن عكرمة وروى عن ابن عباس".
[26410]:- (1) في م، أ: "أبو الحسن الكوفي - عمر بن أوس".
[26411]:- (2) في ت: "وروى الحافظ".
[26412]:- (3) في ت، م: "رزقه".
[26413]:- (4) في ت، م، أ: "أمين".
[26414]:- (5) قال الهيثمي في المجمع (10/205): "رواه أبو يعلى في الكبير وفيه عزرة بن قيس الأزدي، وهو ضعيف".
[26415]:- (6) في ت: "وهذا الحديث في مسند الإمام أحمد".
[26416]:- (7) رواه الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، المسند (3/218).
[26417]:- (8) في ت، م، أ: "أبعد".
[26418]:- (9) في ت: "سبيل".
[26419]:- (10) سنن أبي داود برقم (969).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَوَصّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتّىَ إِذَا بَلَغَ أَشُدّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبّ أَوْزِعْنِيَ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الّتِيَ أَنْعَمْتَ عَلَيّ وَعَلَىَ وَالِدَيّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرّيّتِيَ إِنّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ووصينا ابن آدم بوالديه الحسن في صحبته إياهما أيام حياتهما ، والبرّ بهما في حياتهما وبعد مماتهما .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : إحسانا فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة «حُسْنا » بضمّ الحاء على التأويل الذي وصفت . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة إحْسانا بالألف ، بمعنى : ووصيناه بالإحسان إليهما ، وبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب ، لتقارب معاني ذلك ، واستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في القرّاء .

وقوله : حَمَلَتْهُ أُمّهُ كُرْها وَوَضَعَتْهُ كُرْها يقول تعالى ذكره : ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا برّا بهما ، لما كان منهما إليه حملاً ووليدا وناشئا ، ثم وصف جلّ ثناؤه ما لديه من نعمة أمه ، وما لاقت منه في حال حمله ووضعه ، ونبهه على الواجب لها عليه من البرّ ، واستحقاقها عليه من الكرامة وجميل الصحبة ، فقال : حَمَلَتْهُ أُمّهُ يعني في بطنها كرها ، يعني مشقة ، وَوَضَعَتْهُ كُرْها يقول : وولدته كرها يعني مشقة . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة حَمَلَتْهُ أُمّهُ كُرْها وَوَضَعَتْهُ كُرْها يقول : حملته مشقة ، ووضعته مشقة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والحسن ، في قوله : حَمَلَتْهُ أُمّهُ كُرْها وَوَضَعَتْهُ كُرْها قالا : حملته في مشقة ، ووضعته في مشقة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : حَمَلَتْهُ أُمّهُ كُرْها قال : مشقة عليها .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : كُرْها فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة «كَرْها » بفتح الكاف . وقرأته عامة قرّاء الكوفة كُرْها بضمها ، وقد بيّنت اختلاف المختلفين في ذلك قبل إذا فتح وإذا ضمّ في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا يقول تعالى ذكره : وحمل أمه إياه جنينا في بطنها ، وفصالها إياه من الرضاع ، وفطمها إياه ، شرب اللبن ثلاثون شهرا .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَفِصَالُهُ ، فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار غير الحسن البصري : وحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ بمعنى : فاصلته أمه فصالاً ومفاصلة . وذُكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأه : «وحَمْلُهُ وَفَصْلُهُ » بفتح الفاء بغير ألف ، بمعنى : وفصل أمه إياه .

والصواب من القول في ذلك عندنا ، ما عليه قرّاء الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، وشذوذ ما خالفه .

وقوله : حتى إذَا بَلَغَ أشُدّهُ اختلف أهل التأويل في مبلغ حدّ ذلك من السنين ، فقال بعضهم : هو ثلاث وثلاثون سنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : أشدّه : ثلاث وثلاثون سنة ، واستواؤه أربعون سنة ، والعذر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة حتى إذَا بَلَغَ أشُدّهُ قال : ثلاثا وثلاثين .

وقال آخرون : هو بلوغ الحلم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مجالد ، عن الشعبيّ ، قال : الأشدّ : الحلم إذا كتبت له الحسنات ، وكتبت عليه السيئات .

وقد بيّنا فيما مضى الأشدّ جمع شدّ ، وأنه تناهي قوّته واستوائه . وإذا كان ذلك كذلك ، كان الثلاث والثلاثون به أشبه من الحلم ، لأن المرء لا يبلغ في حال حُلمه كمال قواه ، ونهاية شدّته ، فإن العرب إذا ذكرت مثل هذا من الكلام ، فعطفت ببعض على بعض جعلت كلا الوقتين قريبا أحدهما من صاحبه ، كما قال جلّ ثناؤه : إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدنى مِنْ ثُلُثَي اللّيْل وَنِصْفَهُ ولا تكاد تقول أنا أعلم أنك تقوم قريبا من ساعة من الليل وكله ، ولا أخذت قليلاً من مال أو كله ، ولكن تقول : أخذت عامة مالي أو كله ، فكذلك ذلك في قوله : حتى إذَا بَلَغَ أشُدّهُ وَبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً لا شكّ أن نسق الأربعين على الثلاث والثلاثين أحسن وأشبه ، إذ كان يُراد بذلك تقريب أحدهما من الاَخر من النسق على الخمس عشرة أو الثمان عشرة .

وقوله : وَبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً ذلك حين تكاملت حجة الله عليه ، وسير عنه جهالة شبابه وعرف الواجب لله من الحقّ في برّ والديه . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً وقد مضى من سيء عمله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً ، قالَ رَبّ أوْزِعْنِي حتى بلغ مِنَ المُسْلِمِينَ وقد مضى من سيء عمله ما مضى .

وقوله : قالَ رَبّ أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الّتِي أنْعَمْتَ عَليّ وَعَلى وَالِدَيّ يقول تعالى ذكره : قال هذا الإنسان الذي هداه الله لرشده ، وعرف حقّ الله عليه فيما ألزمه من برّ والديه رَبّ أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ يقول : أغرني بشكر نعمتك التي أنعمت عليّ في تعريفك إياي توحيدك وهدايتك لي للإقرار بذلك ، والعمل بطاعتك وَعَلىَ وَالِدَيّ من قبلي ، وغير ذلك من نعمك علينا ، وألهمني ذلك . وأصله من وزعت الرجل على كذا : إذا دفعته عليه . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما :

حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوْزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ قال : اجعلني أشكر نعمتك ، وهذا الذي قاله ابن زيد في قوله : ربّ أوْزِعْنِي وإن كان يؤول إليه معنى الكلمة ، فليس بمعنى الإيزاع على الصحة .

وقوله : وأنْ أعمَلَ صَالِحا تَرْضَاهُ يقول تعالى ذكره : أوزعني أن أعمل صالحا من الأعمال التي ترضاها ، وذلك العمل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وقوله : وأصْلِحْ لي في ذُرّيّتِي يقول : وأصلح لي أموري في ذرّيتي الذين وهبتهم ، بأن تجعلهم هداة للإيمان بك ، واتباع مرضاتك ، والعمل بطاعتك ، فوصاه جلّ ثناؤه بالبرّ بالاَباء والأمهات والبنين والبنات . وذُكر أن هذه الاَية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه .

وقوله : إنّي تُبْتُ إلَيْكَ وَإنّي مِنَ المُسْلِمِينَ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا الإنسان : إنّي تُبْتُ إلَيْكَ يقول : تبت من ذنوبي التي سلفت مني في سالف أيامي إليك وَإنّي مِنَ المُسْلِمِينَ يقول : وإني من الخاضعين لك بالطاعة ، المستسلمين لأمرك ونهيك ، المنقادين لحكمك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (15)

وقوله تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه } يريد النوع ، أي هكذا مضت شرائعي وكتبي لأنبيائي ، فهي وصية من الله في عباده .

وقرأ جمهور القراء : «حُسْناً » بضم الحاء وسكون السين ، ونصبه على تقدير وصيناه ليفعل أمراً ذا حسن ، فكأن الفعل تسلط عليه مفعولاً ثانياً . وقرأ علي بن أبي طالب وأبو عبد الرحمن وعيسى : «حَسَناً » بفتح الحاء والسين ، وهذا كالأول ومحتمل كونهما مصدرين كالبُخل والبَخل{[10302]} ، ومحتمل ، أن يكون هذا الثاني اسماً لا مصدراً ، أي ألزمناه بهما فعلاً حسناً{[10303]} . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «إحساناً » ، ونصب هذا على المصدر الصريح والمفعول الثاني في المجرور ، والباء متعلقة ب { وصينا } أو بقوله : «إحساناً »{[10304]} .

وبر الوالدين واجب بهذه الآية وغيرها ، وعقوقهما كبيرة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : كل شيء بينه وبين الله حجاب إلا شهادة أن لا إله إلا الله ودعوة الوالدين{[10305]} .

قال القاضي أبو محمد : : ولن يدعوا إلا إذا ظلمهما الولد ، فهذا الحديث في عموم قوله عليه السلام : «اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب »{[10306]} .

ثم عدد تعالى على الأبناء منن الأمهات وذكر الأم في هذه الآيات في أربع مراتب ، والأب في واحدة ، جمعهما الذكر في قوله : { بوالديه } ، ثم ذكر الحمل للأم ثم الوضع لها ثم الرضاع الذي عبر عنه بالفصال ، فهذا يناسب ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جعل للأم ثلاثة أرباع البر ، والربع للأب ، وذلك إذ قال له رجل : يا رسول الله من أبر ؟ «قال : أمك ، قال ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال ثم من ؟ قال : أباك »{[10307]} .

وقوله : { كرهاً } معناه في ثاني استمرار الحمل حين تتوقع حوادثه ، ويحتمل أن يريد في وقت الحمل ، إذ لا تدبير لها في حمله ولا تركه ، وقال مجاهد والحسن وقتادة : المعنى حملته مشقة ووضعته مشقة .

وقرأ أكثر القراء : «كُرهاً » بضم الكاف . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة والأعرج : «كَرهاً » بفتح الكاف ، وقرأ بهما معاً مجاهد وأبو رجاء وعيسى . قال أبو علي وغيره : هما بمعنى ، الضم الاسم ، والفتح المصدر . وقالت فرقة : الكره بالضم : المشقة ، والكره بالفتح هو الغلبة والقهر ، وضعفوا على هذا قراءة الفتح . قال بعضهم : لو كان «كَرهاً » لرمت به عن نفسها ، إذ الكره القهر والغلبة ، والقول الذي قدمناه أصوب .

وقرأ جمهور الناس : «وفصاله » وذلك أنها مفاعلة من اثنين ، كأنه فاصل أمه وفاصلته . وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري : «وفصله » ، كأن الأم هي التي فصلته .

وقوله : { ثلاثون شهراً } يقتضي أن مدة الحمل والرضاع هذه المدة ، لأن في القول حذف مضاف تقديره : ومدة حمله وفصاله ، وهذا لا يكون إلا بأن يكون أحد الطرفين ناقصاً ، وذلك إما بأن تلد المرأة لستة أشهر وترضع عامين ، وإما بأن تلد لتسعة على العرف وترضع عامين غير ربع العام ، فإن زادت مدة الحمل نقصت مدة الرضاع ، وبالعكس فيترتب من هذا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر .

وأقل ما يرضع الطفل عام وتسعة أشهر ، وإكمال العامين هو لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وهذا في أمر الحمل هو مذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجماعة من الصحابة ومذهب مالك رحمه الله .

واختلف الناس في الأشد : فقال الشعبي وزيد بن أسلم : البلوغ إذا كتبت عليه السيئات وله الحسنات . وقال ابن إسحاق : ثمانية عشر عاماً ، وقيل عشرون عاماً ، وقال ابن عباس وقتادة : ثلاثة وثلاثون عاماً ، وقال الجمهور من النظار : ثلاثة وثلاثون . وقال هلال بن يساف وغيره : أربعون ، وأقوى الأقوال ستة وثلاثون ، ومن قال بالأربعين قال في الآية إنه أكد وفسر الأشد بقوله : { وبلغ أربعين سنة } .

قال القاضي أبو محمد : وإنما ذكر تعالى الأربعين ، لأنها حد للإنسان في فلاحه ونجابته ، وفي الحديث : «إن الشيطان يجر يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب فيقول : بأبي وجه لا يفلح »{[10308]} وقال أيمن بن خريم الأسدي : [ الطويل ]

إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكنْ . . . له دون ما يأتي حياء ولا ستر

فدعه ولا تنفس عليه الذي ارتأى . . . وإن جر أسباب الحياة له العمر{[10309]}

وفي مصحف ابن مسعود : «حتى إذا استوى أشده وبلغ أربعين سنة »{[10310]} وقوله : { أوزعني } معناه : ادفعني عن الموانع وازجرني عن القواطع لأجل أن أشكر نعمتك{[10311]} ، ويحتمل أن يكون { أوزعني } بمعنى اجعل حظي ونصيبي ، وهذا من التوزيع والقوم الأوزاع ، ومن قوله توزعوا المال ، ف «أن » على هذا مفعول صريح . وقال ابن عباس { نعمتك } في التوحيد . و : { صالحاً ترضاه } الصلوات . والإصلاح في الذرية كونهم أهل طاعة وخيرية ، وهذه الآية معناها أن هكذا ينبغي للإنسان أن يفعل ، وهذه وصية الله للإنسان في كل الشرائع .

وقال الطبري : وذُكر أن هذه الآية من أولها نزلت في شأن أبي بكر الصديق ، ثم هي تتناول من بعده ، وكان رضي الله عنه قد أسلم أبواه ، فلذلك قال : { وعلى والدي } ، وفي هذا القول اعتراض بأن هذه الآية نزلت بمكة لا خلاف في ذلك ، وأبو قحافة أسلم عام الفتح فإنما يتجه هذا التأويل على أن أبا بكر كان يطمع بإيمان أبويه ويرى مخايل ذلك فيهما ، فكانت هذه نعمة عليهما أن ليسا ممن عسى{[10312]} في الكفر ولج وحتم عليه ثم ظهر إيمانهما بعد ، والقول بأنها عامة في نوع الإنسان لم يقصد بها أبو بكر ولا غيره أصح{[10313]} ، وباقي الآية بين إلى قوله : { من المسلمين } .


[10302]:مثل: الشُّغل والشَّغل، ذكر ذلك أبو الفتح في المحتسب.
[10303]:قال ابن جني: فهو اسم صفة لا مصدر، ونصبه(وصيناه به)؛ لأنه يفيد مفاد: ألزمناه الحسن في أبويه، وإن شئت قلت: هو منصوب بفعل غير هذا، لا بنفس هذا، فيكون منصوبا بنفس ألزمناه، لا بنفس وصيناه؛ لأنه في معناه.
[10304]:يرفض أبو حيان في البحر ذلك ويقول:"لا يصح أن يتعلق بـ[إحسانا]؛ لأنه مصدر بحرف مصدري والفعل؛ فلا يتقدم معموله عليه، ولأن"أحسن" لا يتعدى بالباء، إنما يتعدى باللام؛ تقول: أحسنت لزيد، ولا تقول: أحسنت بزيد على معنى أن الإحسان يصل إليه".
[10305]:وروى أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:(ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده)، أما الحديث بهذا اللفظ الذي ذكره المؤلف فقد رواه ابن النجار عن أنس رضي الله عنه، وقد ذكره الإمام السيوطي في الجامع الصغير، ورمز له بأنه ضعيف.
[10306]:أخرجه البخاري في الجهاد والزكاة والمظالم والمغازي، ومسلم في الإيمان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي في الزكاة، ومالك في موطئه في دعوة المظلوم، وأحمد في مسنده(1-322،3-153)، ولفظه كما جاء في البخاري في كتاب المظالم، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال:(اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب).
[10307]:رواه البخاري ومسلم، واللفظ فيهما:(من أحق الناس بحسن صحابتي؟).
[10308]:لم أقف على هذا الحديث، ولم يذكره من المفسرين في هذا الموقع غير ابن عطية إلا صاحب البحر المحيط.
[10309]:أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي، له ترجمة في الأغاني، والإصابة، وتهذيب ابن عساكر، ومعنى "وفّى الأربعين": أكملها، و"ما يأتي": ما يفعل من الأشياء، يفعل ما يريد دون خجل أو تستر من الناس، ولا تنفس عليه، أي لا تحسده على ما ارتضى لنفسه من الأمور مهما طال عمره.
[10310]:قال الفراء:"والمعنى فيه كالمعنى في قراءتنا؛ لأنه جائز في العربية أن تقول: لما وُلد لك وأدركت مدرك الرجال عققت وفعلت، والإدراك قبل الولادة".
[10311]:من ذلك قول النابغة الذبياني: على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما أصح والشيب وازع؟ وقول الآخر: ولما تلاقينا جرت من جفوننا دموع وزعنا غربها بالأصابع فإن المعنى فيهما الكف والدفع، ولكن الطبري يرى أن المعنى: أغرني بشكر نعمتك التي أنعمت عليّ في تعريفك إياي توحيدك وهدايتك لي للاقرار بذلك، وأصله من "وزعت الرجل على كذا، إذا دفعته عليه"، وقال القرطبي: أوزعني: ألهمني.
[10312]:عسى هنا بمعنى كبِر، جاء في اللسان:"عسا الشيخ يعسو….:كبِر، مثل عتا، ويقال للشيخ إذا ولى وكبر: عتا يعتو عتيا، وعسا يعسو مثله".
[10313]:في الآية ثلاثة أقوال: الأول أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد ذكر ذلك الواحدي في "أسباب النزول" من رواية عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما بدون سند، وقال السيوطي في "الدر المنثور":"أخرج ابن عساكر من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنهما...، والثاني أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، والثالث أنها عامة، وهذا ما رجحه المؤلف رحمه الله.