المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

170- يا أيها الناس قد جاءكم الرسول محمد بالدين الحق من عند ربكم ، فَصَدِّقوا بما جاء به يكن خيراً لكم ، وإن أبيتم إلا الكفر فالله غني عن إيمانكم ، مالك لكم ، فله ما في السماوات والأرض ملكاً وخلقاً وتصرفاً ، وهو العليم بخلقه ، الحكيم في صنعه ، لا يضيع أجر المحسن ، ولا يهمل جزاء المسيء .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

قوله تعالى : { يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم } ، تقديره : فآمنوا يكن الإيمان خيراً لكم .

قوله تعالى : { وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليماً حكيماً } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }

يأمر تعالى جميع الناس أن يؤمنوا بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم . وذكر السبب الموجب للإيمان به ، والفائدة في الإيمان به ، والمضرة من عدم الإيمان به ، فالسبب الموجب هو إخباره بأنه جاءهم بالحق . أي : فمجيئه نفسه حق ، وما جاء به من الشرع حق ، فإن العاقل يعرف أن بقاء الخلق في جهلهم يعمهون ، وفي كفرهم يترددون ، والرسالة قد انقطعت عنهم غير لائق بحكمة الله ورحمته ، فمن حكمته ورحمته العظيمة نفس إرسال الرسول إليهم ، ليعرفهم الهدى من الضلال ، والغي من الرشد ، فمجرد النظر في رسالته دليل قاطع على صحة نبوته .

وكذلك النظر إلى ما جاء به من الشرع العظيم والصراط المستقيم . فإن فيه من الإخبار بالغيوب الماضية والمستقبلة ، والخبر عن الله وعن اليوم الآخر -ما لا يعرف إلا بالوحي والرسالة . وما فيه من الأمر بكل خير وصلاح ، ورشد وعدل وإحسان ، وصدق وبر وصلة وحسن خلق ، ومن النهي عن الشر والفساد والبغي والظلم وسوء الخلق ، والكذب والعقوق ، مما يقطع به أنه من عند الله .

وكلما ازداد به العبد بصيرة ، ازداد إيمانه ويقينه ، فهذا السبب الداعي للإيمان . وأما الفائدة في الإيمان فأخبر أنه خير لكم والخير ضد الشر . فالإيمان خير للمؤمنين في أبدانهم وقلوبهم وأرواحهم ودنياهم وأخراهم . وذلك لما يترتب عليه من المصالح والفوائد ، فكل ثواب عاجل وآجل فمن ثمرات الإيمان ، فالنصر والهدى والعلم والعمل الصالح والسرور والأفراح ، والجنة وما اشتملت عليه من النعيم كل ذلك مسبب عن الإيمان .

كما أن الشقاء الدنيوي والأخروي من عدم الإيمان أو نقصه . وأما مضرة عدم الإيمان به صلى الله عليه وسلم فيعرف بضد ما يترتب على الإيمان به . وأن العبد لا يضر إلا نفسه ، والله تعالى غني عنه لا تضره معصية العاصين ، ولهذا قال : { فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : الجميع خلقه وملكه ، وتحت تدبيره وتصريفه { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا } بكل شيء { حَكِيمًا } في خلقه وأمره . فهو العليم بمن يستحق الهداية والغواية ، الحكيم في وضع الهداية والغواية موضعهما .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

ثم وجه - سبحانه - نداء إلى الناس جميعا يأمرهم فيه بالإِيمان وينهاهم عن الكفر فقال : { ياأيها الناس قَدْ جَآءَكُمُ الرسول بالحق مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ } .

أى : يأيها المكلفون من الناس جميعا ، قد جاءكم الرسول المشهود له بالصدق فى رسالته ، بالهدى ودين الحق من ربكم ، فآمنوا به وصدقوا وأطيعوه ، يكن إيمانكم خيرا لكم فى الدنيا والآخرة .

فالخطاب فى الآية الكريمة للناس أجمعين ، سواء أكان عربيا أم غير عربى أبيض أم أسود ، بعيدا أم قريبا .

. . لأنه رسالته صلى الله عليه وسلم عامة وشاملة للناس جميعا .

والمراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فأل فيه للعهد : وإيراده بعنوان الرسالة لتأكيد وجوب طاعته .

وقوله : { بالحق } متعلق بمحذوف على أنه حال من الرسول . أى : جاءكم الرسول ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل .

وقوله : { مِن رَّبِّكُمْ } متعلق بمحذف على أنه حال أيضا من الحق . أو متعلق بجاء . أى : جاءكم من عند الله - تعالى - وليس متقولا .

ويرى بعضهم أن قوله { خَيْراً } خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، أى : فآمنوا به يكن إيمانكم خيرا لكم .

ويرى آخرون أنه صفة لمصدر محذوف . أى : فآمنوا إيمانا خيرا لكم . وهى صفة مؤكدة على حد أمس الدابر لا يعود ، لأن الإِيمان لا يكون إلا خيراً .

فأنت ترى أن هذه الجملة الكريمة قد حضت الناس على الإِيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يجئهم بشئ باطل وإنما جاءهم بالحق الثابت الموافق لفطرة البشر أجمعين ، ولأنه لم يجئهم بما جاءهم به من عند نفسه وإنما جاءهم بما جاءهم به من عند الله - تعالى - ولأنه لم يجئهم بما يفضى بهم إلى الشرور والآثام ، وإنما جاءهم بما يوصلهم إلى السعادة فى الدنيا وإلى الفوز برضا الله فى الآخرة .

تلك هى عاقبة المؤمنين ، أما عاقبة الكافرين فقد حذر - سبحانه - منها بقوله : { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً } .

أى : وإن تكفروا - أيها الناس - فلن يضر الله كفركم ، فإنه - سبحانه - له ما فى السماوات والأرض خلقا وملكا وتصرفا ، وكان الله - تعالى - عليما علما تاما بأحوال خلقه ، حكيما فى جميع أفعاله وتدبيراته .

وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد توعدت الكافرين بسوء المصير ، وحضت الناس على الدخول فى زمرة المؤمنين ، وحذرتهم من الكفر حتى ينجوا يوم القيامة من عذاب السعير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ } أي : قد جاءكم محمد - صلوات الله وسلامه عليه - بالهدى ودين الحق ، والبيان الشافي من الله ، عز وجل ، فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه{[8760]} يكن خيرًا لكم .

ثم قال : { وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } أي : فهو غني عنكم وعن إيمانكم ، ولا يتضرر بكفرانكم ، كما قال تعالى : { وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } [ إبراهيم : 8 ] وقال هاهنا : { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي : بمن يستحق منكم الهداية فيهديه ، وبمن يستحق الغَوَاية فيغويه { حَكِيمًا } أي : في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره .


[8760]:في د: "فاتبعوه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَأَيّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الرّسُولُ بِالْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنّ للّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } . .

يعني بقوله جلّ ثناؤه : يا أيّها النّاسُ مشركي العرب ، وسائر أصناف الكفر . قَدْ جاءَكُمُ الرّسُولُ يعنى : محمدا صلى الله عليه وسلم ، قد جاءكم بالحَقّ مِنْ رَبّكُمْ يقول : بالإسلام الذى ارتضاه الله لعباده دينا ، يقول : من ربكم : يعني من عند ربكم . فَآمِنُوا خَيْرا لَكُمْ يقول : فصدقوه وصدقّوا بما جاءكم به من عند ربكم من الدين ، فإن الإيمان بذلك خير لكم من الكفر به . وَإنْ تَكْفُرُوا يقول : وإن تجحدوا رسالته ، وتكذّبوا به وبما جاءكم به من عند ربكم ، فإن جحودكم ذلك وتكذيبكم به لن يضرّ غيركم ، وإنما مكروه ذلك عائد عليكم دون الذي الله أمركم بالذي بعث به إليكم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن لِلّهِ ما فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ ملكا وخلقا ، لا ينقص كفركم بما كفرتم به من أمره ، وعصيانكم إياه فيما عصيتموه فيه من ملكه وسلطانه شيئا . وكانَ اللّهُ عَلِيما حَكِيما يقول : وكان الله عليما بما أنتم صائرون إليه من طاعته فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ومعصيته فى ذلك ، وعلى علم منه بذلك منكم أمركم ونهاكم . حَكِيما يعني : حكيما فى أمره إياكم بما أمركم به وفي نهيه إياكم عما نهاكم عنه ، وفي غير ذلك من تدبيره فيكم وفي غيركم من خلقه .

واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله نصب قوله : خَيْرا لَكُمْ فقال بعض نحويي الكوفة : نصب خيرا على الخروج مما قبله من الكلام ، لأن ما قبله من الكلام قد تم ، وذلك قوله : فَآمِنُوا ، وقال : قد سمعت العرب تفعل ذلك في كل خبر كان تامّا ثم اتصل به كلام بعد تمامه على نحو اتصال «خير » بما قبله ، فتقول : لتقومنّ خيرا لك ، ولو فعلت ذلك خيرا لك ، واتق الله خيرا لك . قال : وأما إذا كان الكلام ناقصا ، فلا يكون إلا بالرفع كقولك : إن تتق الله خير لك ، و وَأنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ .

وقال آخر منهم : جاء النصب في «خير » ، لأن أصل الكلام : فآمنوا هو خير لكم ، فلما سقط «هو » الذي هو مصدر اتصل الكلام بما قبله ، والذي قبله معرفة و«خير » نكرة ، فانتصب لاتصاله بالمعرفة ، لأن الإضمار من الفعل : قم فالقيام خير لك ، ولا تقم فترك القيام خير لك فلما سقط اتصل بالأوّل . وقال : ألا ترى أنك ترى الكناية عن الأمر تصلح قبل الخبر ، فتقول للرجل : اتق الله هو خير لك ، أي الاتقاء خير لك . وقال : ليس نصبه على إضمار «يكن » ، لأن ذلك يأتي بقياس يبطل هذا ، ألا ترى أنك تقول : اتق الله تكن محسنا ، ولا يجوز أن تقول : اتق الله محسنا ، وأنت تضمر «كان » ، ولا يصلح أن تقول : انصرنا أخانا ، وأنت تريد : تكن أخانا . وزعم قائل هذا القول أنه لا يجيز ذلك إلا في «أَفْعَل » خاصة ، فتقول : افعل هذا خيرا لك ، ولا تفعل هذا خيرا لك وأفضلَ لك ولا تقول : صلاحا لك . وزعم أنه إنما قيل مع «أفعل » ، لأن «أفعل » يدلّ على أن هذا أصلح من ذلك . وقال بعض نحويي البصرة : نصب «خيرا » لأنه حين قال لهم : آمنوا ، أمرهم بما هو خير لهم ، فكأنه قال : اعملوا خيرا لكم ، وكذلك : انتهوا خيرا لكم ، قال : وهذا إنما يكون في الأمر والنهي خاصة ، ولا يكون في الخبر ، لا تقول : أن أنتهي خيرا لي ، ولكن يرفع على كلامين لأن الأمر والنهي يضمر فيهما ، فكأنك أخرجته من شيء إلى شيء ، لأنك حين قلت له انْتَهِ ، كأنك قلت له : أخرج من ذا ، وادخل في آخر واستشهد بقول الشاعر عمر بن أبي ربيعة :

فَوَاعِدِيهِ سَرْحَتيْ مالِكٍ ***أوِ الرّبا بَيْنَهُما أسْهَلا

كما تقول : واعديه خيرا لك . قال : وقد سمعت نصب هذا في الخبر ، تقول العرب : آتي البيت خيرا لي وأتركه خيرا لي ، وهو على ما فسرت لك في الأمر والنهي . وقال آخر منهم : نصب «خيرا » بفعل مضمر ، واكتفى من ذلك المضمر بقوله : لا تفعل هذا وافعل الخير ، وأجازه في غير «أفعل » ، فقال : لا تفعل ذاك صلاحا لك . وقال آخر منهم : نصب «خيرا » على ضمير جواب : يكن خيرا لكم ، وقال : كذلك كل أمر ونهي .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

{ يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم } لما قرر أمر النبوة وبين الطريق الموصل إلى العلم بها ووعيد من أنكرها ، خاطب الناس عامة بالدعوة وإلزام الحجة والوعد بالإجابة والوعيد على الرد . { فآمنوا خيرا لكم } أي إيمانا خيرا لكم أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم عليه . وقيل تقديره يكن الإيمان خيرا لكم ومنعه البصريون لأن كان لا يحذف مع اسمه إلا فيما لا بد منه ولأنه يؤدي إلى الشرط وجوابه . { وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض } يعني وإن تكفروا فهو غني عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم ، ونبه على غناه بقوله : { لله ما في السماوات والأرض } وهو يعم ما اشتملتا عليه وما ركبتا منه . { وكان الله عليما } بأحوالهم . { حكيما } فيما دبر لهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (170)

بعد استفراغ الحِوار مع أهل الكتاب ، ثُمّ خطاب أهل الكفر بما هو صالح لأن يكون شاملاً لأهل الكتاب ، وجّه الخطاب إلى النّاس جميعاً : ليكون تذييلاً وتأكيداً لما سبقه ، إذ قد تهيَّأ من القوارع السالفة ما قامت به الحجَّة ، واتّسعت المحَجَّة ، فكان المقام للأمر باتّباع الرسول والإيمان . وكذلك شأن الخطيب إذا تهيّأت الأسماع ، ولانت الطباع . ويسمَّى هذا بالمقصد من الخطاب ، وما يتقدّمه بالمقدّمة . على أنّ الخطاب بيأيُّها النّاس يعني خصوص المشركين في الغالب ، وهو المناسب لقوله : { فآمنوا خيراً لكم } .

والتعريف في { الرسول } للعهد ، وهو المعهود بين ظهرانيهم . ( والحقّ ) هو الشريعة والقرآن ، و { من ربّكم } متعلّق ب { جاءكم } ، أو صفة للحقّ ، و ( من ) للابتداء المجازي فيهما ، وتعدية جاء إلى ضمير المخاطبين ترغيب لهم في الإيمان لأنّ الذي يجيء مهتمّاً بناس يكون حقّاً عليهم أن يتّبعوه ، وأيضاً في طريق الإضافة من قوله { ربّكم } ترغيب ثان لما تدلّ عليه من اختصاصهم بهذا الدّين الذي هو آت من ربّهم ، فلذلك أتي بالأمر بالإيمان مفرّعاً على هاته الجمل بقوله : { فآمنوا خيراً لكم } .

وانتصب { خيراً } على تعلّقه بمحذوف لازم الحذف في كلامهم لكثرة الاستعمال ، فجَرى مجرى الأمثال ، وذلك فيما دلّ على الأمر والنهي من الكلام نحو { انْتهوا خيراً لكم } [ النساء : 171 ] ، ووراءك أوسعَ لك ، أي تأخّر ، وحسبك خيراً لك ، وقول عمر بن أبي ربيعة :

فواعديه سَرْحَتَيْ مالِك *** أو الرّبى بينهما أسْهَلا

فنصبه ممّا لم يُخْتَلف فيه عن العرب ، واتّفق عليه أيمّة النحو ، وإنَّما اختلفوا في المحذوف : فجعله الخليل وسيبويه فعلا أمراً مدلولاً عليه من سياق الكلام ، تقديره : ايت أو اقصد ، قالا : لأنّك لمّا قلت له : انته ، أو افعل ، أو حسبُك ، فأنتَ تحمله على شيء آخر أفضل له . وقال الفرّاء من الكوفيّين : هو في مثله صفة مصدر محذوف ، وهو لا يتأتّى فيما كان منتصباً بعد نهي ، ولا فيما كان منتصباً بعد غير متصرّف ، نحو : وراءَك وحسبُك . وقال الكسائي والكوفيّون : نصب بكان محذوفة مع خبَرها ، والتقدير : يكن خيراً . وعندي : أنّه منصوب على الحال من المصدر الذي تضمّنه الفعل ، وحْدَه ، أو مع حرف النهي ، والتقدير : فآمنوا حال كون الإيمان خيراً ، وحسبك حال كون الاكتفاء خيراً ، ولا تفعل كذا حال كون الانتهاء خيراً . وعود الحال إلى مصدر الفعل في مثله كعود الضمير إليه في قوله : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] ، لا سيما وقد جرى هذا مجرى الأمثال ، وشأن الأمثال قّوة الإيجاز . وقد قال بذلك بعض الكوفيين وأبو البقاء .

وقوله { وإن تكفروا } أريد به أن تبقوا على كفركم .

وقوله : { فإنّ لله ما في السموات الأرض } هو دليل على جواب الشرط ، والجواب محذوف لأنّ التقدير : إن تكفروا فإنّ الله غنيّ عن إيمانكم لأنّ لله ما في السموات وما في الأرض ، وصرّح بما حذف هُنا في سورة الزمر ( 7 ) في قوله تعالى : { إن تكفروا فإنّ الله غنيّ عنكم } وفيه تعريض بالمخاطبين ، أي أنّ كفركم لا يفلتكم من عقابه ، لأنَّكم عبيده ، لأنّ له ما في السماوات وما في الأرض .