قوله تعالى : { والذين سعوا في آياتنا } يعني : عملوا في إبطال آياتنا { معاجزين } قرأ ابن كثير وأبو عمرو : ( معجزين ) بالتشديد هاهنا وفي سورة سبأ أي : مثبطين الناس عن الإيمان ، وقرأ الآخرون ( معاجزين ) بالألف يعني : معاندين مشاقين . وقال قتادة : معناه ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا بزعمهم أن لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار ، ومعنى يعجزوننا ، أي : يفوتوننا فلا نقدر عليهم . وهذا كقوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } { أولئك أصحاب الجحيم } وقيل : معاجزين مغالبين ، يريد كل واحد أن يظهر عجز صاحبه .
{ والذين سَعَوْاْ في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أى : والذين بذلوا كل جهودهم فى إبطال آياتنا الدالة على وحدانيتا وقدرتنا وصدق رسلنا ، وأسرعوا فى تكذيبها وغالبوا المؤمنين وعارضوهم ليظهروهم بمظهر العاجز عن الدفاع عن دينهم وعن عقيدتهم .
{ أولئك } الموصوفون بهذا السعى الأثيم { أَصْحَابُ الجحيم } أى : الملازمون للنار المتأججة ملازمة المالك لما يملكه .
وقوله : { وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } : قال مجاهد : يُثَبّطون الناس عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم . وكذا قال عبد الله بن الزبير : مثبطين .
وقال ابن عباس : { مُعَاجِزِينَ } : مراغمين .
{ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } : وهي النار الحارة الموجعة الشديد عذابها ونكالها ، أجارنا الله منها .
قال الله تعالى : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ } [ النحل : 88 ] .
وقوله : وَالّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ يقول : والذين عملوا في حججنا فصدّوا عن اتباع رسولنا والإقرار بكتابنا الذي أنزلناه . وقال في آياتَنِا فأدخلت فيه «في » كما يقال : سعى فلان في أمر فلان .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : مُعاجِزِينَ فقال بعضهم : معناه : مُشَاقّين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، أنه قرأها : مُعاجِزِينَ في كلّ القرآن ، يعني بألف ، وقال : مشاقّين .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهم ظنوا أنهم يعجزون الله فلا يقدر عليهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : في آياتِنا مُعاجِزينَ قال : كذّبوا بآيات الله فظنوا أنهم يُعْجزون الله ، ولن يعجزوه .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله .
وهذان الوجهان من التأويل في ذلك على قراءة من قرأه : فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ بالألف ، وهي قراءة عامة قرّاء المدينة والكوفة . وأما بعض قرّاء أهل مكة والبصرة فإنه قرأه : «مُعَجّزِينَ » بتشديد الجيم ، بغير ألف ، بمعنى أنهم عجّزوا الناس وثَبّطوهم عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان بالقرآن . ذكر من قال ذلك كذلك من قراءته :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مُعَجّزِينَ قال : مُبَطّئين ، يبطَئون الناس عن اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جَرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، متقاربتا المعنى وذلك أن من عجز عن آيات الله فقد عاجز الله ، ومن معاجزة الله التعجيز عن آيات الله والعمل بمعاصيه وخلاف أمره . وكان من صفة القوم الذين أنزل الله هذه الاَيات فيهم أنهم كانوا يبطئون الناس عن الإيمان بالله واتباع رسوله ويغالبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحسبون أنهم يُعْجزونه ويغلبونه ، وقد ضمن الله له نصره عليهم ، فكان ذلك معاجزتهم الله . فإذ كان ذلك كذلك ، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب الصواب في ذلك .
وأما المعاجزة فإنها المفاعلة من العجز ، ومعناه : مغالبة اثنين أحدهما صاحبه أيهما يعجزه فيغلبه الاَخر ويقهره .
وأما التعجيز : فإنه التضعيف وهو التفعيل من العجز . وقوله : أُولَئِكَ أصْحابُ الجَحِيمِ يقول : هؤلاء الذين هذه صفتهم هم سكان جهنم يوم القيامة وأهلها الذين هم أهلها .
{ والذين سعوا في آياتنا } بالرد والإبطال . { معاجزين } مسابقين مشاقين للساعين فيها بالقبول والتحقيق ، عن عاجزه فأعجزه وعجزه إذا سابقه فسبقه لأن كلا من المتسابقين يطلب إعجاز الآخر عن اللحوق به ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { معجزين } على أنه حال مقدرة . { أولئك أصحاب الجحيم } النار الموقدة ، وقيل اسم دركة .
وأن للكافرين المعاجزين عذاب { الجحيم } وهذا كله مما أمره أن يقوله ، أي هذا معنى رسالتي لا ما تتمنون أنتم ، وقوله { سعوا } معناه تحيلوا وكادوا من السعاية ، و «الآيات » : القرآن ، أو كادوه بالتكذيب وسائر أقوالهم ، وقرأت فرقة ، «معاجزين » ، ومعناه مغالبين كأنهم طلبوا عجز صاحب الآيات والآيات تقتضي تعجيزهم فصارت مفاعله .