اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ سَعَوۡاْ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (51)

قوله : { والذين سَعَوْاْ في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ } أي : اجتهدوا في ردها والتكذيب بها وسموها سحراً وشعراً وأساطير الأولين ، يقال لمن بذل جهده في أمر : إنه سعى فيه توسعاً ، كما إذا بلغ الماشي نهاية طاقته فيقال : إنه سعى ، وذكر الآيات وأراد التكذيب بها مجازاً{[31508]} ، قال الزمخشري : يقال : سعيت في أمر فلان إذا أصلحه أو أفسده بسعيه{[31509]} .

قوله : «مُعَجِّزِينَ » قرأ أبو عمرو وابن كثير بتشديد الجيم هنا وفي حرفي سبأ {[31510]} .

والباقون : «مُعَاجِزِين » في الأماكن الثلاثة{[31511]} . والجحدري كقراءة{[31512]} ابن كثير وأبي عمرو في جميع القرآن{[31513]} . وابن الزبير «مُعْجِزِين » بسكون العين{[31514]} فأما الأولى ففيها وجهان :

أحدهما : قال الفارسي : معناه ناسبين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العجز نحو : فسقته ، أي : نسبته إلى الفسق{[31515]} .

والثاني : أنها للتكثير ومعناها مثبطين الناس عن الإيمان{[31516]} .

وأما الثانية فمعناها ظانين أنهم يعجزوننا ، وقيل : معاندين{[31517]} .

وقال الزمخشري : عاجَزَه : سَابَقَه ، لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به ، فإذا سبقه قيل : أَعْجَزَه وعَجَّزَه . فالمعنى : سَابِقِين أو مُسَابقين في زعمهم وتقديرهم طامعين أن كيدهم للإسلام يتم لهم{[31518]} والمعنى : سعوا في معناها بالفساد . وقال أبو البقاء : إن «مُعَاجِزِين » في معنى المُشَدَّد مثل : عَاهَد : عَهَّد ، وقيل : عاجَزَ سَابَق ، وعَجَّز : سَبَق{[31519]} .

فصل

اختلفوا في المراد هل معاجزين لله أو الرسول والمؤمنين ، والأقرب هو الثاني لأنهم إن أنكروا الله استحال منهم أن يطمعوا في إعجازه ، وإن أثبتوه فيبعد أن يعتقدوا أنهم يُعْجِزُونه ويغلبونه ، ويصح منهم أن يظنوا ذلك في الرسول بالحيل والمكايد{[31520]} .

فأما{[31521]} القائلون بالأول فقال قتادة : ظانين ومقدرين أنهم يعجزوننا بزعمهم وأن لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار ، أو يعجزوننا : يفوتوننا فلا نقدر عليهم كقوله تعالى { أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا }{[31522]} [ العنكبوت : 4 ] ، أو يعجزون الله بإدخال الشُّبَهِ في قلوب الناس {[31523]} .

وأما معاجزين فالمغالبة{[31524]} في الحقيقة ترجع إلى الرسول والأمة لا إلى الله تعالى{[31525]} .

ثم قال : { أولئك أَصْحَابُ الجحيم } أي : أنهم يدومون فيها .


[31508]:انظر الفخر الرازي 23/48.
[31509]:الكشاف 3/36.
[31510]:وهما قوله تعالى: {والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم} [سبأ: 5] قوله تعالى: {والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون} [سبأ: 37].
[31511]:السبعة (439)، الكشف 2/122، النشر 2/327، الإتحاف 316.
[31512]:في ب: لقراءة. وهو تحريف.
[31513]:البحر المحيط 6/379.
[31514]:من أعجزني: إذا سبقك ففاتك. البحر المحيط 6/379.
[31515]:تفسير ابن عطية 10/302، البحر المحيط 6/380.
[31516]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/433. البحر المحيط 6/380.
[31517]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/433، البحر المحيط 6/379 – 380.
[31518]:الكشاف 3/36 – 37.
[31519]:التبيان 2/945.
[31520]:انظر الفخر الرازي 23/48.
[31521]:في ب: وأما.
[31522]:[العنكبوت: 4].
[31523]:انظر الفخر الرازي 23/48.
[31524]:في ب: فالغالب وهو تحريف.
[31525]:انظر الفخر الرازي 23/48.