نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلَّذِينَ سَعَوۡاْ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ} (51)

ولما كان في سياق الإنذار ، قال معبراً بالماضي زيادة في التخويف : { والذين سعوا } أي أوقعوا السعي ولو مرة واحدة بشبهة من الشبه ونحوها { في آياتنا } أي التي نصبناها للدلالة علينا مرئية أو مسموعة { معاجزين } أي مبالغين في فعل ما يلزم - في زعمهم - منه عجزنا ، ومعجزين ، أي مقدرين أنهم يعجزوننا بإخفائهم آياتنا ، وإضلال الناس وصدهم عنها بإلقاء الشبه والجدال ، اتباعاً للشيطان المريد ، من غير علم ولا هدى ولا كتاب منير كشبه الاتحادية الذين راج أمرهم على كثير من الناس مع أنه لا شيء أوهى من شبههم ولا أظهر بطلاناً ، ولذلك راج أمرها على أهل الغباوة ، فإن الداعية منهم يقول لمن يغره : هذا الظاهر من الكلام لا يقول به عاقل ، فالمراد به أسرار دقيقة ، وراء طور العقل ، لا يوصل إليه إلا بالرياضة والكشف ، وما درى المغرور أن أبا طالب كان أعقل من هذا الذي ينسب إليه ذلك الكفر الظاهر ، فإن شعره أحسن من شعره ، وبديهته أعظم من بديهته ، ورؤيته أحكم من رؤيته ، وقد رأى من الآيات من النبي صلى الله عليه وسلم ما لا مزيد عليه ، مع أن له من القرابة ما هو معروف ، ومن المحبة ما يفوت الحصر ، ومع ذلك فقد أصرّ من الضلال ما لا يرضاه حمار لو نطق ، على أن هذا المغرور قد لزمه - بتحسين الظن بهؤلاء الكفرة - إساءة الظن بأشرف الخلق : النبي صلى الله عليه وسلم في قوله

" من رأى منكم منكراً " - الحديث الذي في بعض رواياته : " وليس وراء ذلك أي الإنكار بالقلب - مثقال حبة من إيمان " وقد أفردت لبيان ضلالهم كتباً لما استطار من شرهم ، ومس من ضرهم ، منها المطول والمختصر ، لا مزيد على بيانها وظهور سلطانها { أولئك } البعداء البغضاء { أصحاب الجحيم* } أي استحقاقاً بما سعوا ، فإن شاء تاب عليهم ، وإن شاء كبهم فيها ، ليعلموا أنهم هم العاجزون ، هذا في الآخرة ، وسيظهر سبحانه في الدنيا أيضاً عجزهم ، بكشف شبههم ومج القلوب النيرة لها ، مع ذلهم وانكسارهم ، وهوانهم وصغارهم ، حتى لا يقدروا أن ينطقوا من ذلك ببنت شفة ، علماً منهم أن مثلها لا يقوله عاقل .