قوله تعالى : { فأشارت } ، مريم ، { إليه } ، أي إلى عيسى عليه السلام : أن كلموه . قال ابن مسعود رضي الله عنه : لما لم يكن لها حجة وأشارت إليه ، ليكون كلامه حجةً لها . وفي القصة : لما أشارت إليه غضب القوم ، وقالوا مع ما فعلت تسخرين بنا ؟ { قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً } أي : من هو في المهد ، هو حجرها . وقيل : هو المهد بعينه وكان بمعنى : هو . وقال أبو عبيدة كان صلة ، أي : كيف نكلم صبياً في المهد . وقد يجيء كان حشواً في الكلام لا معنى له كقوله { هل كنت إلا بشراً رسولا } [ الإسراء : 93 ] أي : هل أنا .
فأشارت لهم إليه ، أي : كلموه . وإنما أشارت لذلك ، لأنها أمرت عند مخاطبة الناس لها ، أن ، تقول : { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ْ } فلما أشارت إليهم بتكليمه ، تعجبوا من ذلك وقالوا : { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ْ } لأن ذلك لم تجر به عادة ، ولا حصل من أحد في ذلك السن . .
وهنا نجد مريم تبدأ فى الدفاع عن نفسها ، عن طريق وليدها { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } .
أى : فأشارت إلى ابنها عيسى ، ولسان حالها يقول لهم : وجهوا كلامكم إليه فإنه سيخبركم بحقيقة الأمر .
ولكنهم لم يقتنعوا بإشارتها بل قالوا لها : { كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً } .
والمهد : اسم للمضطجع الذى يهيأ للصبى فى رضاعه . وهو فى الأصل مصدر مهده يمهده إذا بسطه وسواه .
أى : كيف نكلم طفلاً صغيراً ما زال فى مهده وفى حال رضاعه .
والفعل الماضى وهو { كَانَ } ها هنا بمعنى الفعل المضارع المقترن بالحال ، كما يدل عليه سياق القصة .
التزمت مريم عليها السلام ما أمرت به من ترك الكلام ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت ب { إني نذرت للرحمن صوماً } [ مريم : 26 ] وإنما ورد انها { أشارت إليه } فيقوى بهذا القول من قال إن أمرها ب «قولي » إنما أريد به الإشارة ، ويروى أنهم لما أشارت إلى الطفل قالوا استخفافها بنا أشد علينا من زناها ، ثم قالوا لها على جهة التقرير { كيف نكلم من كان في المهد صبياً } وإنما هي في معنى هو ويحتمل أن تكون الناقصة والأظهر أنها التامة وقد قال أبو عبيدة { كان } هنا لغو{[7949]} ، وقال الزجاج والفراء { مَنْ } شرطية في قوله { من كان }{[7950]} «ع » ونظير كان هذه قول رؤية : [ الرجز ]
أبعد ان لاح بك القتير . . . والرأس قد كان له شكير
و { صبياً } إما خبر { كان } على تجوز وتخيل في كونها ناقصة ، وإما حال يعمل فيه الاستقرار المقدر في الكلام{[7951]} . وروي أن { المهد } يراد به حجر أمه قال لهم عيسى من مرقده .
أي أشارت إليه إشارة دلّت على أنها تُحيلهم عليه ليسألوه عن قصته ، أو أشارت إلى أن يسمعوا منه الجواب عن توبيخهم إياها وقد فهموا ذلك من إشارتها .
ولما كانت إشارتها بمنزلة مراجعة كلام حكى حِوارهم الواقع عقب الإشارة بجملة القول مفصولةً غير معطوفة .
والاستفهام : إنكار ؛ أنكروا أن يكلموا من ليس من شأنه أن يتكلم ، وأنكروا أن تحيلهم على مكالمته ، أي كيف نترقب منه الجواب أو كيف نلقي عليه السؤال ، لأن الحالتين تقتضيان التكلم .
وزيادة فعل الكون في { مَن كَان في المَهدِ } للدلالة على تمكن المظروفية في المهد من هذا الذي أحيلوا على مكالمته ، وذلك مبالغة منهم في الإنكار ، وتعجب من استخفافها بهم . ففعل ( كان ) زائد للتوكيد ، ولذلك جاء بصيغة المضي لأن ( كان ) الزائدة تكون بصيغة الماضي غالباً .
وقوله { في المَهْدِ } خبر ( مَن ) الموصولة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.