ثم بين - سبحانه - جانبا من مظاهر عدله فى أحكامه : وفى بيان الأسباب التى أدت إلى فوز المؤمنين ، وهلاك الكافرين . . فقال - تعالى - :
{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ . . . } .
قوله - تعالى - : { رَهِينَةٌ } خبر عن { كُلُّ نَفْسٍ } ، وهو بمعنى مرهونة . أى : كل نفس مرهونة عند الله - تعالى - بكسبها ، مأخوذة بعملها ، فإن كان صالحا أنجاها من العذاب ، وإن كان سيئا أهلكها ، وجعلها محلا للعقاب .
قالوا : وإنما كانت مرهونة ، لأن الله - تعالى - جعل تكليف عباده كالدَّين عليهم ، ونفوسهم تحت استيلائه وقهره ، فهى مرهونة ، فمن وفى الذى كلف به ، خلص نفسه من عذاب الله - تعالى - الذين نزل منزلة علامة الرهن ، وهو أخذ فى الدين ، ومن لم يوف عذب .
وفي ظل هذه الإيقاعات المثيرة الخطيرة يعلن تبعة كل نفس لذاتها وعلى ذاتها ؛ ويدع للنفوس أن تختار طريقها ومصيرها ؛ ويعلن لها أنها مأخوذة بما تكسبه باختيارها ، مرهونة بأعمالها وأوزارها :
( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر . كل نفس بما كسبت رهينة ) . .
فكل فرد يحمل هم نفسه وتبعتها ، ويضع نفسه حيث شاء أن يضعها ، يتقدم بها أو يتأخر ، ويكرمها أو يهينها . فهي رهينة بما تكسب ، مقيدة بما تفعل . وقد بين الله للنفوس طريقة لتسلك إليه على بصيرة ، وهو إعلان في مواجهة المشاهد الكونية الموحية ، ومشاهد سقر التي لا تبقي ولا تذر . . له وقعه وله قيمته !
استئناف بياني يبين للسامع عقبى الاختيار الذي في قوله : { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } [ المدثر : 37 ] أي كل إنسان رَهْن بما كسب من التقدم أو التأخر أو غير ذلك فهو على نفسه بصيرة ليكسب ما يفضي به إلى النعيم أو إلى الجحيم .
و { رهينة } : خبر عن { كل نفس } وهو بمعنى مرهونة .
والرهن : الوثاق والحبس ومنه الرهن في الدَيْن ، وقد يطلق على الملازمة والمقارنة ، ومنه : فَرَسا رِهَاننٍ ، وكِلا المعنيين يصح الحمل عليه هنا على اختلاف الحال ، وإنما يكون الرهن لتحقيق المطالبة بحق يخشى أن يتفلت منه المحْقوق به ، فالرهن مشعر بالأخذ بالشدة ومنه رهائن الحرب الذين يأخذهم الغالب من القوم المغلوبين ضماناً لئلا يخيس القومُ بشروط الصلح وحتى يعطوا ديات القتلى فيكون الانتقام من الرهائن .
وبهذا يكون قوله : { كل نفس } مراداً به خصوص أنفس المنذَرين من البشر فهو من العام المراد به الخصوص بالقرينة ، أي قرينة ما تعطيه مادة رَهينة من معنى الحَبس والأسر .
وظاهر هذا أنه كلام منصف وليس بخصوص تهديدِ أهل الشر .
و { رهينة } : مصدر بوزن فَعِيلة كالشَّتيمة فهو من المصادر المقترنة بهاء كهاء التأنيث مثل الفُعولة والفعالة ، وليس هو من باب فعيل الذي هو وصف بمعنى المفعول مثيل قتيلة ، إذ لو قصد الوصف لقيل رعين لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث إذا جرى على موصوفه كما هنا ، والإِخبار بالمصدر للمبالغة على حد قول مِسْوَر بن زيادة الحارثي :
أبَعْدَ الذي بالنَّعْفِ نَعْفِ كُوَيكِبٍ *** رهينةِ رَمْس ذي تراب وجندل
ألا تراه أثبت الهاء في صفة المذكر وإلاّ لما كان موجب للتأنيث .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
كلّ نفس مأمورة منهية بما عملت من معصية الله في الدنيا، رهينة في جهنم" إلاّ أصحَابَ اليَمِينِ "فإنهم غير مرتهنين، ولكنهم "فِي جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ عن المجرمين".
عن ابن عباس: "كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" يقول: مأخوذة بعملها.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه إن كل نفس مكلفة مطالبة بما عملته وكسبته من طاعة أو معصية،
فالرهن: أخذ الشيء بأمر على أن لا يرد إلا بالخروج منه.
وكذلك هؤلاء الضلال قد أخذوا برهن لا فكاك له.
هي اسم بمعنى... كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهن.
والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك إلا أصحاب اليمين، فإنهم فكوا عن رقاب أنفسهم بسبب أعمالهم الحسنة، كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
أي مرتهنة بكسبها، مأخوذة بعملها، إما خلصها وإما أوبقها.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: معتقلة بعملها يوم القيامة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 37]
وفي ظل هذه الإيقاعات المثيرة الخطيرة يعلن تبعة كل نفس لذاتها وعلى ذاتها؛ ويدع للنفوس أن تختار طريقها ومصيرها؛ ويعلن لها أنها مأخوذة بما تكسبه باختيارها، مرهونة بأعمالها وأوزارها:
(لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر. كل نفس بما كسبت رهينة)..
فكل فرد يحمل هم نفسه وتبعتها، ويضع نفسه حيث شاء أن يضعها، يتقدم بها أو يتأخر، ويكرمها أو يهينها. فهي رهينة بما تكسب، مقيدة بما تفعل. وقد بين الله للنفوس طريقة لتسلك إليه على بصيرة، وهو إعلان في مواجهة المشاهد الكونية الموحية، ومشاهد سقر التي لا تبقي ولا تذر.. له وقعه وله قيمته!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف بياني يبين للسامع عقبى الاختيار الذي في قوله: {لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر} [المدثر: 37] أي كل إنسان رَهْن بما كسب من التقدم أو التأخر أو غير ذلك فهو على نفسه بصيرة ليكسب ما يفضي به إلى النعيم أو إلى الجحيم.
و {رهينة}: خبر عن {كل نفس} وهو بمعنى مرهونة.
والرهن: الوثاق والحبس ومنه الرهن في الدَيْن، وقد يطلق على الملازمة والمقارنة، ومنه: فَرَسا رِهَانٍ، وكِلا المعنيين يصح الحمل عليه هنا على اختلاف الحال، وإنما يكون الرهن لتحقيق المطالبة بحق يخشى أن يتفلت منه المحْقوق به، فالرهن مشعر بالأخذ بالشدة ومنه رهائن الحرب الذين يأخذهم الغالب من القوم المغلوبين ضماناً لئلا يخيس القومُ بشروط الصلح وحتى يعطوا ديات القتلى فيكون الانتقام من الرهائن.
وبهذا يكون قوله: {كل نفس} مراداً به خصوص أنفس المنذَرين من البشر، فهو من العام المراد به الخصوص بالقرينة، أي قرينة ما تعطيه مادة رَهينة من معنى الحَبس والأسر.