اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ} (38)

قوله : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } . فيه أوجه :

أحدها : أنَّ «رَهِينَةٌ » بمعنى «رَهْنٍ » ك «الشَّتِيمة » بمعنى «الشَّتْم » .

قال الزمخشري : ليس كتأنيث «رهين » في قوله : { كُلُّ امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [ الطور : 21 ] لتأنيث النفس ، لأنه لو قصدت الصفة لقيل : رهين ؛ لأن «فعيلاً » بمعنى «مفعول » يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وإنَّما هي اسم بمعنى «الرهن » كالشتيمة بمعنى «الشّتم » كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهن ، ومنه بيت الحماسة : [ الطويل ]

4972 - أبَعْدَ الذي بالنَّعْفِ نَعْفِ كُويكِبٍ*** رَهِينَةِ رَمْسٍ ذي تُرابٍ وجَنْدلِ{[58575]}

كأنَّه قال : «رَهْنِ رَمْسٍ » .

الثاني : أن الهاء للمبالغة .

الثالث : أنَّ التأنيث لأجل اللفظ .

واختار أبو حيان{[58576]} : أنها بمعنى «مفعول » وأنها كالنَّطيحة ، وقال : ويدل على ذلك أنَّه لما كان خبراً عن المذكر كان بغير هاء ، وقال تعالى :{ كُلُّ امرئ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ }{[58577]} فأنَّثَ حيث كان خبراً عن المذكر أتى بغير تاء ، وحيث كان خبراً عن مؤنث أتى بالتاء كما في هذه الآية فأمَّا التي في البيت فأنَّثَ على معنى النَّفْسِ .

فصل في معنى رهينة

ومعنى «رهينة » أي : مُرتهَنَة بكسبها ، مأخوذة بعملها ، إمَّا خلَّصهَا وإمَّا أوبقها .


[58575]:البيت لمسور بن زيادة الحارثي وقيل لعبد الرحمن بن زيد. ينظر ديوان الحماسة 1/90، والكشاف 4/654، والقرطبي 19/56، والبحر 8/371، والدر المصون 6/421.
[58576]:ينظر البحر المحيط 8/379.
[58577]:سورة الطور، آية 21.